كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

16…ومما يدلُّ على أن رسول الله لم يستخلف أحدا ً بعده، القصة التي رواها البخاري وغيره عن عبد الله بن عباس "أن عليَّ بن أبي طالب خرج من عند رسول الله في وجعه الذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا الحسن، كيف أصبح رسول الله، فقال: أصبح بحمدِ اللَّهِ بارئاً، فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له: أنت والله بعد ثلاثٍ، عبدُ العصا ـ كناية عمن يصير تابعاً لغيره ـ وإني والله لأرى رسول الله سوف يتوفى من وجعه هذا، إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت.
اذهب بنا إلى رسول الله فلنسْأله فيمن هذا الأمر؟ إن كان فينا علمْنا ذلك، وإن كان في غيرنا، علمْناه فأوصى بنا فقال عليٌّ: إنَّا والله لئن سألناها رسول الله، فمنعناها، لا يعطيناها الناسُ بعده، وإني والله، لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم " [البخاري/ كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته] .. والأدلة غير ما ذكرتُ كثيرة .. فانظر أحاديث الباب المذكور، وشروح ابن حجر عليها.
ومع أن رسول الله لم يستخلف، إلا أنه حدد الإمارة في قريش .. والقرشيون المهاجرون من صحابة رسول الله الذين يُشارُ إليهم بالبنان، وتتجه إليهم الأنظار معدودون، ومَنْ يتمعن في السيرة النبوية، وفي مناقب الصحابة يحكم بأن الخلافة لن تخرج عن واحد ٍ من هؤلاء.
وهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان وعلي، والزبير، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف .. فأبو بكر، اختاره ليكون رفيقه في الغار، وعمر قال فيه: "ما رأيت عبقرياً يفري فريَّة" وعثمان: تزوج اثنتين من بنات رسول الله وبذل كثيراً من ماله في سبيل الله .. وعلي: ابن عمه، وزوج ابنته فاطمة وخلفه في فراشه يوم الهجرة، والزبير: حواريّ رسول الله، وطلحة شُلّت يمينه دفاعاً عن رسول الله، وسعد بن أبي وقاص، فدّاه رسول ا لله بأبيه وأمه يوم أحد، وكان يفاخر به ويقول: هذا خالي .. وأبي عبيدة قال إنه أمين هذه الأمه.
وعبد الرحمن بن عوف تصدق بأمواله الكثيرة في سبيل الله .. [انظر: مناقب الصحابة، في كتاب "فضائل الصحابة" من صحيح البخاري].…

الصفحة 16