كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

20…
(جـ) الردّة:
لعلَّ أصعب امتحان واجهته عاصمة المسلمين، المدينة، بعد استخلاف أبي بكر، هي "الردّة ".
بل كانت الردّة امتحاناٌ لشجاعة أبي بكر، وحسن تَصرّفه في المواقف الحرجة.
روى البخاري عن أبي هريرة " لما توفي النبيُّ ص، واستُخلف أبو بكر، وكفر مَنْ كفر من العرب، قال عمر: يا أبا بكر، كيف تقاتل الناسَ وقد قال رسول الله " أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، عصم مني ماله ونفسه، إلا بحقه وحسابُه على الله ".
قال أبو بكر: والله لأقاتلنَّ مَنْ فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حقُّ المال، واللَّهِ لو مَنَعُوني عناقا، (أو عقالاً) كانوا يؤدونه إلى رسول الله، لقاتلتهم على منعها.
قال عمر: فوالله، ما هو إلا أن رأيتُ أنْ قد شرح اللَّهُ صَدْرَ أبي بكر للقتال.
فعرفتُ أنَّهُ الحقُّ " والمناظرة بين أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ في صنفٍ واحد من المرتدين وهم الذين جحدوا فرض الزكاة، وتأوّلوا، قوله تعالى: (خذ من أموالكم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها، وصلّ عليهم إن صلاتك سكن لهم).
فزعموا أن دفْع الزكاة خاصّ ٌ به ص، لأن غيره لا يطهرهم ولا يصلي عليهم، فكيف تكون صلاته سكناً لهم.
وكان هناك طائفة أُخرى أعلنت الردة والكفر، وهذه الفئة لم يختلف فيها أبو بكر وعمر، ولم تدخل في قصة تردّد عمر .. لأنهم لا ينطقون الشهادة.
قال ابن حزم في "الملل والنحل": انقسمَت العربُ بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم على أربعة أقسام: طائفة بقيت على ما كانت عليه في حياة النبي وهو الجمهور.
وطائفة بقيت على الإسلام أيضاً إلا أنهم قالوا: نُقيم الشرائع، إلا الزكاة، وهم كثير، لكنهم قليل بالنسبة إلى الطائفة الأولى والثالثة: أعلنت بالكفر والردّة،…

الصفحة 20