كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

21…كأصحاب طليحة وسجاح، وهم قليل بالنسبة إلى مَنْ فبلهم، إلا أنه كان في كلّ قبيلة مَنْ يقاوم مَنْ ارتدّ.
وطائفة رابعة: توقفت، فلم تطع أحداً من الطوائف الثلاثة، وتربّصُوا لمن تكون الغلبة.
فأخرج إليهم أبو بكر ا لبعوث .. وكان فيروز (1) ومَنْ معه غلبوا على بلاد الأسود وقتلوه، وقُتل مُسيلمة باليمامة، وعاد طُليحة إلى الإسلام، وكذا سجاح، ورجع غالب منْ ارتدَّ، إلى الإسلام، فلم يحل الحول إلا والجميع قد راجعوا دين الله الإسلام، ولله الحمد.
عن [الفتح 88/ 12].
ونجاح المسلمين في القضاء على أهل الردّة، أثبت للمدينة النبويّة عاصمة الإسلام، كفاءَتها الجغرافية والاقتصادية والعسكرية، بوصفها عاصمة مختارة من الوحي، لتكون عاصمة المسلمين الأبديّة، كما أثبتت كفاءَة الصحابة في القيادة، وفي فهم حكمة التشريع الإسلامي، ومقاصده البعيدة.
ذلك أن حَرْبَ الردّة جاءت في وقت عصيب، في أعقاب وفاة نبيّ الله صاحب الدعوة الذي كان يحكم في الأمور الصعبة، فأثبت أصحابُه، أنهم أهلٌ لحمل الرسالة وأداء الأمانه، كما أثبتت كفاءَة التربية العالية التي نالوها من الصحبة النبوية .. وقد يؤخذ من قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي .. ) الآية خطابٌ للمسلمين أنهم أخذوا من مدرسة الإسلام، وصحبة نبيِّهم، ما يؤهلهم للإمامة بَعْدَه.
وأثبت المسلمون في المدينة كفَاءة عالية، لأنَّ إخمادهم الردّة في مهدها تمَّ في وقت قصير , بالقياس إلى ذلك العصر، والعصر الحالي أيضاً: فقد ولي الخلافة أبو بكر في شهر ربيع الأول، وبَيْن التولية، وإظهار الردّة وإعداد الجيوش…
__________
(1) فيروز: هو فيروز الديلمي أو ابن الديلمي، يماني من أبناء الأساورة من فارس الذي كان كسرى بعثهم إلى قتال الحبشة: وفد على رسول الله ثم رجع إلى اليمن فأعان على قتْل الأسود العنسي.

الصفحة 21