كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

22…لذلك مضتْ أشهر .. ومع ذلك قال المؤرخون: لم ينته العامُ إلا كانت الجزيرةُ العربية كلُّها خالصةٌ للمسلمين الموحدّين، مع اتساع الجزيرة العربية، وتباعد الأماكن التي حصلت فيها الردّة.
وقلتُ: أثبتت المدينة كفاءَتها: لأنها هذه الجيوش انطلقت من المدينة، وتجهزت من المدينة، في أعقاب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن للمسلمين في المدينة بيتُ مال ٍ تكدست فيه المغانم والأموال، كما كان فيما بَعْدُ ... فكيف استطاع المسلمون أنْ يجيشوا هذه البعوث، ويزودوها بعتاد الحرب، ومؤنة السفر والقتال؟.
إنها أمور جسامٌ، امتُحنت بها المدينة: أرضاً، وأناساً، وقيادةً .. ولا شكَّ، أنَّ القيادة الواعية، كان لها أثر في هذا الإعداد، الذي أدى إلى النجاح والتفوق في النصر: روي عن عائشة أنها قالت: " لما توفّي رسول ُ الله، اشْرأَبَ النفاقُ، وارتدت العربُ، وانحازت الأنصارُ ـ تريد اجتماعهم في السقيفة لاختيار خليفة منهم ـ .. فلو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي، لهاضَها .. فما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بفنائها وفضلها .. [السيوطي في تاريخ الخلفاء، يرويه عن البغوي وابن عساكر].
وأخرج البيهقي وابن عساكر عن أبي هريرة قال: " والذي لا إله إلا هو، لولا أنّ َ أبا بكرٍ استُخلِفَ، ما عُبِد َ الله، فقيل له: مه يا أبا هريرة: فقال: إنَّ رسول الله وجَّه أُسامة بن زيد في سبعمائة إلى الشام، فلما نزل ـ بالجُرْف ـ قُبض رسول الله، وارتدتْ العرب حول المدينة، واجتمع إليه أصحاب رسول الله فقالوا: رُدَّ هؤلاءِ ـ جيش أُسامة ـ تُوجِّهُ هؤلاءِ إلى الروم وقد ارتدت العربُ حول المدينة؟ فقال: والذي لا إله إلا هو، لو جرت الكلابُ بأرجل أزواج النبيّ ص، ما رددتُ جيشاً وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حللْتُ لواءً عقده، فوجّه أُسامة، فجعل لا يمرُّ بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا: لولا أنَّ لهؤلاءِ قوةً،…

الصفحة 22