كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

258…
عن السلف من النهي من قراءَة القرآن منكوساً، فالمراد به أن يقرأ من آخر السورة إلى أولها، وكان جماعة يصنعون ذلك في القصيدة من الشعر، مبالغةً في حفظها، وتذليلاً للسانه في سردها فمنع السلف ذلك في القرآن، فهو حرام فيه ".
وقال القاضي عياض في شرح حديث حذيفة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قرأ في صلاته في الليل، بسورة النساء قبل آل عمران: هو كذلك في مصحف أُبيّ بن كعب، وهو قول جمهور العلماء، واختاره القاضي الباقلاني، وقال: وترتيب السور ليس بواجب في التلاوة ولا في الصلاة ولا في الدرس ولا في التعليم، فلذلك اختلفت المصاحف.
فلما كُتب مصحف عثمان رتبوه على ما هو عليه الآن ولذلك اختلف ترتيب مصاحف الصحابة.
وأما ترتيب الآيات في السورة: فلا خلاف أن ترتيب آيات كلِّ سورة على ما هي عليه الآن في المصحف، توقيف من الله تعالى، وعلى ذلك نقلته الأمّة عن نبيها محمد - صلى الله عليه وسلم -.
فقد أخرج أحمد، وأصحاب السنن وصححه ابن حبّان والحاكم، من حديث ابن عباس قال: "قلتُ: لعثمان: ما حملكم على أنْ عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءَة وهي من المبين فقرنتم بيتها ولم تكتبوا بينهما سطر "بسم الله الرحمن الرحيم" ووضعتموهما في السبع الطوال؟ فقال عثمان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما ينزل عليه السورة ذات العدد، فإذا نزل عليه الشيء ـ يعني منها ـ دعا بعض مَنْ كان يكتب، فيقول: ضعوا هذه الآيات في السورة الي يُذكر فيها كذا، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة وبراءَة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بها فظننتُ أنها منها، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبين لنا أنها منها ".
قال ابن حجر: فهذا يدل على أنَّ ترتيب الآيات في كلِّ سورة كان توقيفاً.

الصفحة 258