كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

259…
رَسْمُ المصحف، أو خَطُّه، أو إملاؤه:
بوّب البخاري في كتاب " فضائل القرآن " باب: "كاتب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ".
وروى حديثين نأخذ منهما أن زيد بن ثابت كان كاتب النبيّ صلى الله عليه وسلم، بعد الهجرة.
وليس الغرض من هذا الباب، حصر الكتابة في زيد بن ثابت، وإنما كان غرضه إثبات اتخاذ الكاتب، ولكن شهر زيد لأنه كان أكثر الصحابة كتابة لرسول الله، وثبت أنَّ أُبي بن كعب كتب أيضاً في المدينة، وكتب الخلفاء الراشدون في مكة.
وأخرج أحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم عن عثمان "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما ينزل عليه السورة ذات العدد، فإذا نزل عليه الشيء ـ يعني منها ـ دعا بعض مَنْ كان يكتب، فيقول: ضهوا هؤلاء الآيات في السورة التي فيها كذا .. الحديث".
وقد أعلم اللَّهُ في القرآن بأن القرآن المنزل على محمد ص مجموع في الصحف، فقال تعالى: (يتلو صُحُفاً مطهرة).
ولعلَّ أقدم وظيفة قام بها كُتَّابُ النبيّ صلى الله عليه وسلم، هي كتابة القرآن.
.. وكل ذلك يدلُّ على أنَّ كتابة القرآن بعد نزوله، وحيٌ من الله لرسوله ولعلَّ الكتابة من وسائل الحفظ التي تكفّل الله بها للقرآن (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
وعندما أمر أبو بكر بجمع القرآن، تتبّعه زيدُ بنُ ثابتٍ، من العُسُب واللخاف التي كُتب عليها القرآنُ في العهد النبوي، بإملاء رسول الله على كاتبه.
وفي عهد عثمان، قام الرهط الذين ندبهم لكتابة المصحف، ينسخ الصُّحُف التي كتبت في عهد أبي بكر، في المصحف الذي أرسله إلى الآفاق، وجمع الناس عليه، وهو المصحف الذي بين أيدينا اليوم.
ومن البدهي، أن يكون خط المصحف الذي كتب في عهد عثمان، هو الخط المكتوب في عهد أبي بكر، المنقول عن صورة الخط المكتوب في العهد النبويّ.
وقد تلقّى الصحابةُ جميعهم رسم المصحف العثماني بالقبول، ولم يُنقل…

الصفحة 259