كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

26…روى ابن سعد في الطبقات قال: قدم خالد بن عُرْفُطة العُذْري (صحابي توفي سنة 64 هـ) على عمر، فسأله عمّا وراءَه، فقال: يا أمير المؤمنين، تركتُ مَنْ ورائي يسألون الله أن يزيد في عمرك من أعمارهم، ما وطئ أحدٌ القادسية إلا عطاؤه ألفان، أو خمس عشرة مائة ... وما من مولود يُولَدُ إلا أُلحق على مائةٍ وجريبين كلَّ شهر، ذكراً كان أو أُنثى .. فإذا خرج هذا لأهل بيت، منهم مَن ْ يأكل الطعام، ومنهم مَنْ لا يأكلُ الطعام، فما ظنُّك به؟ فإنه لينفقُه فيما ينبغي، وفيما لا ينبغي .. قال عمر: فالله المستعان، إنما هو حقُّهم أُعطوه ... ولكني قد علمتُ أن فيه فضلاً، ولا ينبغي أن أحسبه عنهم، فلو أتَّه إذا خرج عطاءُ أحد هؤلاء العُرَيْب، ابتاع منه غنماً فجعلها بسوادهم، ثم إذا العطاءُ الثاني، ابتاع الرأس فجعله فيها، فإني، ويحك يا خالد بن عُرْفُطه، أخافُ عليكم، أنْ يليكم بعدي وُلاةٌ، لا يُعَدُّ العطاءُ في زمانهم مالاً، فإنْ بقي أحدٌ منهم، أو أحدٌ من ولْده، كان لهم شيء قد اعتقدوه، فيتكئون عليه، فإنَّ نصيحتي لك وأنت عندي جالس، كنصيحتي لمن هو بأقصى ثغرٍ من ثغور المسلمين، وذلك لما طوقني اللَهُ من أمرهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ مات غاشّاً لرعيته لم يَرَحْ رائحة الجنة ".
وروينا في باب التجارة أن عمر حثّ التاس على المبادة إلى السوق والاتّجار فيه واستنكر أن لا يرى فيه إلا النبيط، فاعتذر الناس بقولهم: " إن الله أغنانا عن السوق بما فتح به علينا " فحذرهم عمرُ قائلاً: " والله لئن فعلتم ليحتاج رجالكم إلى رجالهم ونساؤكم إلى نسائهم .. "
2 - عنايتُه بالأصول التي أمدّت الإسلام بالجنود، وعنايتُه بالفروع التي ماتت أُصولها، قبل أن تثمر جهودهم بهذا المال الوفير: وفي هذا السبيل، أوصى الخليفة فقال: " أوصي الخليفة من بَعْدي بالمهاجرين الأولين، أنْ يعرف لهم حقّهم، ويحفظ لهم حُرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيراً الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم، أن يقبل من محسنهم، وأن…

الصفحة 26