كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)
260…
عن أحدٍ من الصحابة اعتراض على صورة رسم الكلمات، وكذلك تلقاه التابعون ومَنْ تبعهم، إلا أنهم أضافوا إليه في أواخر عهد التابعين، أو تابعي التابعين، النقط والشكل، ولم يغيروا صورة رسم الكلمات ... وفي القرن الثاني الهجري، بدأ علماء اللغة والنحو بوضع قواعد جديدة لرسم الكلمات العربية تخالف رسم المصحف في بعض أشكالها، وهي الإملاء المستعملة في الكتابة الدارجة ... فهل كان الصحابةُ الذين رسموا الخط القرآني جاهلين بقواعد الكتابة العربية فكان في المصحف ما يخالف الخط العربي؟، أم أنهم كتبوه وهم يعون ما يكتبون؟ وقد نطرح السؤال بصيغة أخرى تقول: هل كان في عهد الصحابة الذين كتبوا النصحف إملاء عربي يختلف عن الإملاء الذي كتبوا به المصحف؟ وهل خالفوا هذا الإملاء ـ إنْ وُجد ـ جَهْلاً، أم قصداً؟.
وقد طرحتُ هذه الأسئلة، لأن ابن خلدون، يزعم في المقدمة، أنَّ الصحابة خالفوا ما اقتضته رسوم صناعة الخط، لأن صنعة الكتابة لم تكن مستحكمة عندهم، لمكان العرب من البداوة والتوحش، وبُعدهم عن الصنائع. [المقدمة ص 365].
ويزعم ابن خلدون أن التابعين اقتفوا رسم الصحابة في المصحف تبركاً، كما يُقْتفى في عهد ابن خلدون خط وليّ أو عالمٍ تبركاً، ويُتبع خطُّه خطأ أو صواباً .. ويقول: ولا تلتفتنَّ في ذلك إلى ما يزعمُه بعض المغفلين من أن الصحابة كانوا محكمين لصناعة الخط .. الخ ... أقول: ولم يكن مُغَفّلاً في تاريخ العرب والإسلام، إلا ابن خلدون، لأنه أغرب وأنبأ عن جهلٍ بالواقع التاريخيّ، واعتزّ بآرائه التي بناها على العقل المحض فضلَّ، وأضلَّ.
وقد مررت في معرفتي بابن خلدون، بثلاث مراحل: الأولى: مرحلة الإعجاب، والثانية: مرحلة الشك واتلثالثة مرحلة المقت.
…