كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

264…
والإقامة من أجدادهم؟
والطائف: كانت منذ القديم قرية زراعية مستقرة، ولهم علاقات وثيقة مع أهل مكة، وكان لأهل مكة مزارع، وبيوت بها، وكانت بها سوق عكاظ السنويّ التي كانت ملتقى العرب من شتى بقاع الجزيرة، وترد إليه كلُّ ما أنتجته القرائح والمهارات.
والمدينة (يثرب) لم يكن سكنها إلا أهل الزراعة المستقرّون، حتى أن لفظ " المال " في لغة أهل المدينة، كان يراد به الأراضي المزروعة، لأن الزراعة كانت أكثر ما يملكون، ومنها معيشتهم .. والمشهور، أن الأوس والخزرج، قدموا إلى المدينة من بلاد اليمن السعيد، صاحب الحضارة الموغلة في القدم ... والثابت أنَّ موقع المدينة معروف منذ القدم، وورود اسمها في الكتابات " المعينية " دليل على وجودها خلال الألف الأول السابقة للميلاد على الأقل.
وكان المعينيون يسيطرون على معظم طريق التجارة القديم بين الشام واليمن، وكانت لهم مستعمراتهم ومحطاتهم على طوله، ولم ينقطع وجود المدينة منذ ذلك الحين، ووردت المدينة في جغرافية بطليموس (نحو 90 ـ 168)، باسم يثرب .. أفمنْ كان في حال ساكن المدينة يوصف بالبداوة والتوحش؟! وهل كان جلُّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكُتّابه إلا من هذه الحواضر التي وصفناها؟!
(ب) إن ابن خلدون يصدر أحكامه بناءً على استقراء ناقص، وشواهد بعيدة عن العصر الذي يؤرخ له، وقد خدعتْه الشواهد التي رآها فعمم حكمه ...
فابن خلدون حكم على العرب ـ في الجاهلية وصدر الإسلام ـ بالبداوة والتوحش لتوهمه أنَّ العرب جميعاً كانوا أهل البادية، حتى مَنْ كان يسكن المدن منهم وقد أثبتنا فيما سبق بطلان هذا الزعْم ...
وابن خلدون بنى أحكامه أيضاً على ما شاهده في عصره من آثار بني هلال…

الصفحة 264