كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

266…
الحجاز، أخذوا سعرها كيف شاءوا، ثم وصل بهم الأمر إلى أن أوقعوا بالجار (من نواحي ينبع) بناس من كنانة وباهلة، فأجلوهم وقتلوا بعضهم وذلك في جمادى الآخر سنة 230هـ. فوجه إليهم الواثق، بغا الكبير فقتل منهم وأسر عدداً، ولما كانت فتنة القرامطة صاروا حلفاء لأبي ظاهر وبنيه أمراء البحرين القرامطة، ثم لما انقرض أمرهم غلب بنو سليم على البحرين بدعوة الشيعة، لما أن القرامطة كانوا على دعوتهم، ثم غلب بنو الأصفر بن تغلب على البحرين بدعوة العباسية أيام بني بويه، وطردوا عنها بني سليم، فحلقوا بصعيد مصر، وأجازهم المستنصر إلى أفريقيا لحرب المعزّ بن باديس، فأجازوا مع الهلاليين، وأقاموا ببرقة، وجهات طرابلس زمناً .. " [معجم قبائل العرب 545/ 2].
وهكذا، نرى أن بني سليم عندما جازوا إلى أفريقية، كانوا في زمن وحال، لا يمثلان العرب والعروبة في شيء، ولعلَّ ما وصفوا من أفعالهم، لم يكن موجوداً عند العرب في الجاهلية.
فالعربُ الذين يمثلون صفات العرب، هم الذين كانوا يحملون في ترحالهم رسالة المدنّية والعلم والعمران: والدليل على بُعْدِ العرب عن التوحش، أن الذين أسرعوا بالاستجابة إلى الدين الاسلامي، أسرعوا أيضاً إلى اقتباس تعاليمه والعمل بتوجيهاته من الدعوة إلى العلم والتعليم، وهم الذين كانوا يفتحون البلاد فيكون المسجد ـ المدرسة ـ أول ما يبنون.
(جـ) قول ابن خلدون " فكان الخطُّ العربيّ لأول الإسلام غير بالغ إلى الغاية من الإحكام والإتقان والإجادة ولا إلى التوسط " وقوله " وانظر ما وقع لأجل ذلك في رسمهم المصحف حيث رسمه الصحابة بخطوطهم وكانت غير مستحكمة .. فخالف الكثير من رسومهم ما اقتضته رسوم صناعة الخط عند أهلها ... ".
إنْ كان يؤرخِ بذلك لعهد عثمان بن عفّان، حيث أمر عثمانُ بكتابة المصحف، فقد غَلِطَ ابن خلدون غلطاً فادحاً.

الصفحة 266