كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

267…
لأنَّ مدارس تعليم الكتابة ـ الكتاتيب ـ قد كثرت في عهد عثمان، وبكثرتهم يكْثرُ الكاتبون وقد ذكرنا في فصل سابق، أنَّ الكُتّاب قد كثروا في أواخر العهد النبوي حتى أحصوا الذين كتبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغوا حوالي خمسين كاتباً، ولا شكَّ أن هناك أعداداً غير هؤلاء لم يكتبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وأرخّنا لوجود مُعلِّم الكتابة في العهد النبويّ، ثم نقل المؤرخون أن عمر بن الخطاب خصص بيوتاً لتعليم الصبيان، وكذلك كان في عهد عثمان. ولم يكونوا يعلمون القرآن فقط في هذه المكاتب، وإنما كانوا يتعلمون الكتابة أيضاً .. ويتعلمون كتابة القرآن على الألواح .. لما نقل الكتاني في [التراتيب الإدارية 294/ 2]: " قال أنس بن مالك: كان المؤدب زمن أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، يجعل إناءً كبيرا ًمُعَدّاً لمحو الألواح، فيأتي كلّ يوم صبيٌّ من أولئك بماءٍ، ثم يُجعل الماءُ في حفرة ".
ونقل ابن حجر في [الفتح 66/ 9] عن ابن أبي داود في " المصاحف " قال: " لما كان في خلافة عثمان، جعل المعلمُ يُعلّمُ قراءة الرجل، والمعلم يُعَلّم قراءة الرجل، فجعل الغلمان، يلتقون فيختلفون، حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين حتى كفَّر بعضهم بعضاً .. الحديث ".
والخبر يدل عبى كثرة المعلمين وكثرة التلاميذ في زمن عثمان. ويدل أيضاً على أن الرسم القرآني، هو الخطّ المتداول بين الناس في ذلك الزمان، لأن التلميذ الذي يكتب القرآن على الألواح، يكتبه بالرسم الذي تعلمه ليكتب به فنون المعرفة كلها.
وإذا كان عدد الذين يكتبون في العهد النبوي ـ أو في آخره ـ قد يزيدون على المائة في المدينة فقط، فلا شكَّ أن عددهم قد تضاعف كثيراً في عهد عثمان وربما أصبحوا يُعدون بالآلاف، وهذه الكثرة الكاثرة من الكُتّاب، لا يمكن أن توصفَ خطوطهم بأنها كانت غير مستحكمة في الإجادة، إذا عرفنا أن هؤلاء الكُتّاب كانوا موزعين في أقاليم الإسلام: العراق والشام ومصر. وإذا كان أهل المدينة ـ في زمن عثمان ـ غير مجيدين للخط، هل كان ذلك في الأقاليم كلها وكيف استقبلت الأقاليم كلها هذا الخط بالقبول ولم تغيّر منه حرفاً؟! …

الصفحة 267