كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)
268…
(د) وقد وَهم ابن خلدون إنْ كان يظنُّ أن رسم المصحف العثماني كتبه الصحابة بخط اجتهدوا في رسمه .. ذلك أن الحقيقة الثابتة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يأمر بتسجيل ما ينزل من القرآن، للحفاظ عليه في السطور كما هو محفوظ في الصدور.
وقد سمّاه الله " الكتاب " في مواضع عدّة من القرآن .. وقال السيوطي " فأما تسميته " كتاباً " فلجمعه أنواع العلوم والقصص والأخبار على أبلغ وجه، والكتاب لغة: الجمع " .. [الإتقان 67/ 1].
أقول: ولا يمنع ذلك، أن تسميته " كتاباً " لأن الله تعالى أراد أن يكتب ويُجمع، وقد أخبر الله في القرآن بأنه مجموع في الصحف في قوله " يتلو صحفاً مطهرة ". فكتابته إذن، كانت بأمر من الله تعالى.
وقد اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم لكتابته ساعة نزوله أصحاباً أجلاء عُرفوا بثبوت قدمهم في الإسلام، وصدق إيمانهم منذ اليوم الأول لإسلامهم ومن هؤلاء: الخلفاء الراشدون، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب، ومعاوية بن أبي سفيان وأبان بن سعيد وخالد بن الوليد .. وغيرهم.
وظل هؤلاء يكتبون جميع ما ينزل في الرقاع وقطع الأديم (الجلد) وعظام الأكتاف والأضلاع، والعسب (كرانيف النخيل) واللخاف (الحجارة الرقيقة) كلُّ ذلك تحت إشراف النبيّ صلى الله عليه وسلم. . وهكذا دُوّن القرآنُ كله في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم، وتحت إشرافه، وبأمر منه ...
ثم جاء عَمَلُ أبي بكر رضي الله عنه، حيث جمعه، وكان في صنيعه هذا كمن عمد إلى أوراق، تأخذ أرقاماً متسلسلة، حيث كان الصحابة على علم تام بل وحفظ لترتيب آياته وسوره، فلمَّ أبو بكر شتاتها وجمعها وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء.
ثم جاء عثمان ـ رضي الله عنه ـ فنسخ من هذا المجموع نُسَخاً، وزّعها على الأمصار أصبحت الأساس الذي نُسخت منه جميع المصاحف إلى يومنا…