كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)
269…
هذا، وبالتالي أصبح خطُّها هو الأساس الذي لا تجوز مخالفته، واشتهر " بالرسم العثماني " وهو ليس لعثمان، فعثمان أمر بنسخ ما كتبه الصحابةُ في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم وإنما غلب عليه اسم " المصحف العثماني " أو " الرسم العثماني " لوقوع النسخ في زمانه.
وإذا ثبت أن الرسم العثماني موافق، لما رسم في عهد أبي بكر، وهو موافق لما رسم في العهد النبوي بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل يصحُّ أن يقال إن الصحابة قد أخطئوا في رسم يعض كلماته، وأنَّ رسم بعض كلماته جاء غير متقن الصنعة؟ وكيف يقع الخطأ في الرسم ولا يُطلع اللّهُ رسوله عليه؟! وإذا آمنا أن القرآن مُعجزٌ في معناه ولفظه، فلماذا لا تؤمن أن الله قد ضمّن رسمه بعض نواحي الإعجاز التي لا تُدْرك باللسان؟ ولعلَّ هذا الرسم مما جعل بعض العلماء يفضلون القراءة في المصحف على القراءة عن ظهر قلب.
قال ابن حجر في [الفتح 78/ 9]: وقد صرّح كثير من العلماء بأن القراءة من الصحف نظراً أفضل من القراءة عن ظهر قلب، قال: وأخرج أبو عبيد في " فضائل القرآن " عن بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، رفعه: قال: " فضلُ قراءة القرآن نظراً على مَنْ يقرؤه ظهراً كفضل الفريضة على النافلة " قال: وإسناده ضعيف، ومن طريق ابن مسعود موقوفاً: " أديموا النظر في المصحف " وإسناده صحيح.
قال: " ومن حيث المعنى: أن القراءة في المصحف أسلم من الغلط .. " قال: والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص.
(هـ) ولعلَّ الأسرار الكامنة في الرسم القرآني جعلت العلماء يكرهون كتابة القرآن على الرسم المستحدث، فنقل السيوطي في [الإتقان 213/ 2] أن الإمام مالك بن أنس سئل: هل يُكْتَبُ المصحفُ على ما أحدثه الناسُ من الهجاء؟ فقال: لا، إلا على الكتبة الأولى، قال: رواه الداني في " المقنع " ثم قال: ولا مُخالفَ له من علماء الأُمّة. قال: وسئل الإمام مالك عن الحروف في القرآن مثل…