كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

27…يُعْفَى عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيراً فإنهم رِدْءُ الإسلام، وجباةُ المال وغَيْظُ العدوّ، وأن لا يُؤخذ منهم إلا فضلُهم عن رضاهم.
وأوصيه بالأعراب خيراً، فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام، أن يؤخذ من حواشي أموالهم ويُردَّ على فقرائهم .. " [البخاري 61/ 7 من الفتح].
وروى البخاري في باب غزوة الحديبية: " قال أسْلَمُ (تابعي، مولى عمر بن الخطاب) خرجْتُ مع عمر بن الخطاب إلى السوق، فلحقتُه امرأة شابّة، فقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي، وترك صِبْية صغاراً، وما ينضجون كُراعاً (1) (لا يكفون أنفسهم معالجة ما يأكلونه) ولا لهم زََرْعٌ أو ضِرْع، وخشيتُ عليهم الضبع (السنة المجدبة) وأنا ابنةُ خُفاف بن إيماءً الغفَاريّ، وقد شهد أبي الحُدَيْبية مع النبيّ ص، فوقف معها عمرُ ولم يمض، ثم قال: مرحباً بنسبٍ قريب، ثم انصرف إلى بعيرٍ ظهير (قوي) كان مربوطاً في الدار، فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاماً وحمل بينهما نفقةً وثياباً، ثم ناولها بخطامه ثم قال: اقتاديه، فلن يفنى حتى بأتيكم الله بخير، قفال رجلٌ: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها، قال عمر: ثكلتْك َ أمُّكَ، والله ِ إني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصْناً زماناً، فافتتحناه، ثم أصبحنا نستفيء سُهْماننا فيه ".
يقول: إن هذا المال أخذتْه المرأة فيئاً، لأنَّ أباها وأخاها جاهدا وشاركا في فتح الحصون، وقد أخذنا نصيبنا من الغنيمة من حصن شارك أهلها حصاره، فقضوا ولم يأكلوا من الغنيمة، ونحن الآن نتمتع ُ بها، أفلا نهتمُّ بذراريهم؟ وقريب من هذا حديث خبّاب بن الأرتّ قال: " هاجرنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم نلتمسُ وجْه اللهِ، فوقع أجرُنا على الله، فمنّا مُنْ مات لم يأكل من أجره شيئاً، منهم مُصْعَبُ بن عُمَيرْ، ومنّا مَنْ أينعت له ثمرتُه فهو يَهْدِبهُا (يجتنيها) قُتل يوم أحد فلم نجد ما نكفّنه إلا بُرْدَةٌ إذا غطينا بها رأسه خرجتُ رجلاه، وإذا غطينا رجليه خرج رأسُه، فأمرنا النبيُّ ص أن نغطي رأسه، وأنْ نجعل على رجليه من… (1) في اللسان: ما يُتْضحون - بالحاء - كراعاً: يُقال للضعيف الدفاع.

الصفحة 27