كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

270…
الواو والألف، أترى أن يُغيّر من المصحف إذا وُجد فيه كذلك. قال: لا. قال أبو عمرو: يعني: الواو والألف المزيدتين في الرسم المعدومتين في اللفظ. نحو " أولوا ". وقال الإمام أحمد: يحْرُمُ مخالفة خط المصحف ـ مصحف عثمان ـ في واوٍ أو ياءٍ أو ألفٍ أو غير ذلك.
وقال البيهقي في " شعب الإيمان ": مَنْ يكتب مصحفاً فينبغي أن يحافظ على الهجاء الذي كتبوا به تلك المصاحف ولا يخالفهم فيه، ولا يغيّر مما كتبوه شيئاً، فإنهم كانوا أكثر علماً وأصدق قلباً ولساناً وأعظم أمانةً منا، فلا نظن بأنفسنا استدراكاً عليهم. اهـ.
(و) ولا يدّعي أحدٌ أن العلماءَ ـ مع تتابع القرون ـ اكتشفوا كلَّ ما في القرآن من الإعجاز البياني والمعنوي، فقد تتابع عشرات العلماء يفسرون ويشرحون وقد يأتي التالي بما لم يأتِ به السابق، ومع ذلك، فإن جوانب كثيرة بقيت وستبقى تطرف المسلمين بالجديد من إعجاز القرآن ...
والقول بأن الرسم يخلو من الإعجاز، وأن الله تعبدنا بلفظ القرآن دون رسمه، قولٌ مرجوح .. ومما يرجّح وجود الإعجاز في الرسم القرآني أن الكلمة الواحدة قد كتبت بطريقة في موضع غير ما كتبت به في موضع آخر، والآمثلة كثيرة في القرآن، أذكر منها: الفعل " سَعَوْا " حيث رسم بالألف الفارقة بعد واو الجماعة في سورة الحج (والذين سَعَوْا في آياتنا معاجزين أُولئك أصحاب الجحيم) [الحج: 51] وحذفت الألف في سورة سبأ، فقال تعالى: (والذين سعو في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجزٍ عظيم) [سبأ: 5].
ومثله الفعل " عتوا " فقد ورد أربع مرّات، في ثلاثة منها كُتب بالألف الفارقة بعد واو الجماعة وحذفت الألف في موضع واحد، فقال تعالى في سورة الفرقان (لقد استكبروا في أنفسهم وعتو عتواً كبيراَ). ومن عجائب الرسم…

الصفحة 270