كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

272…
المعاني المعجزة، ما لا يستطيع لفظ الناس أن يحمله، فخصوا القرآن بهذا الرسم لئلا يكون في كتابة البشر شبهة المضاهاة، لكلام الله تعالى والله أعلم.
* * *
2 ـ قصة بئر رومة:
ومن مناقب عثمان بن عفان، ذات الدلالة على تاريخ المدينة ـ فجر الإسلام ـ قصة بئر رومة، وتجهيز جيش العسرة: وقد جمعها البخاري في بابين: الأول: باب الوقف من كتاب الوصايا، فروى أن عثمان ـ رضي الله عنه ـ، حين حوصر، أشرف عليهم وقال: أنشدكم الله، ولا أنشد إلا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألستم تعلمون، أن رسول الله قال: مَنْ حفر رومة فله الجنة، فحفرتها؟ ألستم تعلمون أنه قال: مَنْ جهّز جيش العُسْرة فله الجنة، فجهزته؟ قال الراوي: فصدقوه بما قال.
والثاني: باب / مناقب عثمان / من كتاب فضائل الصحابة، وترجم للباب بهما فقال: " وقال النبيُّ ص: مُنْ يحفر بئر رومة فله الجنة، فحفرها عثمانُ ". وقال: " مًنْ جهّز جيش العسرة، فله الجنة، فجهزه عثمان ".
ونبدأ بقصة بئر رومة، لأنها الأقدم، حيث كانت قصتها في بداية الهجرة إلى المدينة، ويفسّر هذه الأقدمية ما رواه البغوي في " الصحابة " قال: " لما قدم المهاجرين المدينة استنكوا الماءَ، وكانت لرجل من غفار عَيْنٌ يُقال لها " رومة " وكان يبيع منها القربة، بمُدٍّ، فقال له النبيُّ ص: تبيعنيها بعينٍ في الجنة؟ فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لي ولا لعيالي غيرها، فبلغ ذلك عثمان، فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: أتجعل لي فيها ما جعلت له؟ قال: نعم. قال: قد جعلتُها للمسلمين ". [الفتح 408/ 5].
وقوله: " مًنْ حفر رومة " أشكل على بعض الشرّاح، فقالوا: المشهور أن عثمان اشترى البئر ولم يحفرها، وقد جمع ابن حجر بينهما فقال: " إن كنت…

الصفحة 272