كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)
275…
.. ولعلَّ تبوك، أبعد مكانٍ وصله رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزواته حيث تبعد تبوك عن المدينة حوالي (750) كيل .. والسفر البعيد، فيه مشقْة، ويحتاج إلى النفقة الكثيرة.
وقوله: " وعدواً كثيراً " لعله من أهمّ الأسباب التي جعلت المسلمين في عسرة فقد ذكر ابن سعد سبب الغزوة فقال: بلغ المسلمين من الأنباط الذين يقدمون بالزيت من الشام إلى المدينة أن الروم جمعت جموعاً، وأجلبت معهم لخم وجذام وغيرهم من منتصرة العرب، وجاءَت مقدمتهم إلى البلقاء فندب النبيّ صلى الله عليه وسلم الناس إلى الخروج.
وروى الطبراني من حديث عمران بن حصين قال: " كانت نصارى العرب كتبت إلى هرقل: إن هذا الرجل الذي خرج يدَّعي النبوة هلك، وأصابتهم سنون، فهلكت أموالهم، فبعث رجلاً من عظمائهم يُقال له قباذ وجهّز معه أربعين ألفاً، فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك، ولم يكن للناس قوّة ... "
... والسبب السابق، يستدعي السبب التالي، وهو قوله، والمسلمون مع رسول الله كثير، لأن الأعداد الكثيرين لا بدَّ أن يقابلهم جنود كثيرون من المسلمين، وليس كل المسلمين بقادرين على تجهيز أنفسهم للغزو، فكانت حاجة رسول الله إلى المال شديدة، لتجهيز مَنْ لم يستطع تجهيز نفسه.
روى البخاري عن أبي موسى قال: " أرسلني أصحابي إلى رسول الله أسأل الحُمْلان لهم إذْ هم معه في جيش العسرة .. ".
وفي رواية " وجاء نفرٌ كلُّهم مُعْسِرٌ يستحملونه، لا يحبّون التخلف عنه فقال: لا أجد ".
وكان جيش المسلمين الذي سار إلى تبوك، يقارب الأربعين ألفاً.
ثانياً: قلتُ: إن هذه المعركة كانت تحتاج إلى تجهيزات تختلف عما سبق لأنها كانت ستكون مع أكبر قوة تطل على جزيرة العرب، وهي قوة الرومان،…