كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)
277…
لمعركة فاصلة، وأن هذا الإعداد استغرق وقتاً طويلاً، حتى ترامت أخباره إلى المدينة، وأخذ المسلمون يتوقعون حدوث الغزو، ويتسورهم الخوف منه كلَّ حين. يدل على ذلك ما رواه البخاري عن عمر بن الخطاب، في قصة طويلة، يقول فيها عمر " وكان لي صاحبٌ من الأنصار إذا رغبتُ أتاني بالخبر، وإذا غاب كنت آتية أنا بالخبر ـ يقصد تناوبه مع الأنصاري لحضور مجلس رسول الله ـ وكانا يسكنان في عوالي المدينة ـ قال عمر: ونحن نتخوف ملكاً من ملوك غسان، ذُكر لنا أنه يريد أن يسير إلينا، فقد امتلأت صدورنا منه، فإذا صاحبي الأنصاري، يدق الباب، فقال: افتح، فقلتٌ: جاء الغساني؟ فقال: بل أشدُّ من ذلك، اعتزل رسول الله أزواجه .. الحديث ".
وفي رواية: " وكنا قد تحدثنا أن غسان تنعل الخيل لتغزونا ".
وفي رواية أخرى: " وكان مَنْ حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد استقام له، فلم يبق إلا ملك غسان بالشام، كنا نخاف أن يأتينا " وفي رواية: " ولم يكن أحدٌ أخوف عندنا من أن يغزونا ملك من ملوك غسان ". [الفتح 284/ 9].
وأمام هذه الظروف، رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُعدَّ العدة لمنع الرومان من الزحف على ديار المسلمين، وأن يغزوهم قبل أن يغزوا ديار المسلمين ولما قرر رسول الله الغزو، أعلن في الصحابة أن يتجهزوا للقتال، وبعث إلى القبائل من العرب وإلى أهل مكة يستنفرهم، وكان في العادة أنه إذا أراد غزوة ورّى بغيرها، إلا هذه الغزوة، فإنه أعلن أنه يريد لقاء الرومان وجلّى للناس أمرهم يتأهبون أُهبة كاملة، فتسابق المسلمون إلى الإستعداد ولكن لكثرة الجنود الذي تحتاج إليهم المعركة، وطول المسافة، وقوة العدو وكثرة عدوه وعتادة، أدى إلى وقوع المسلمين في عسرة ونقص في التجهيز.
رابعاً: وهنا تأتي منقبة عثمان الكبرى في بذل الأموال، وأدوات السفر الطويل وكان عثمان بن عفان قد جهز عيراً إلى الشام، فقال: يا رسول الله، هذه مئتا بعير بأقتابها وأحلاسها، ومئتا أوقية. ثم تصدق بمئة بعير بأحلاسها وأقتابها،…