كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

279…
.. وفي الخبرين مبالغة .. فالجارية بيعت بوزنها، بوزنها من ماذا؟ وهل يعقل تباع جارية بوزنها ذهب أو فضة؟ حتى لو كانت طفلاً وزنها عشرة أكيال.
فإذا صح الخبر، فإن مرادهم المبالغة ذكْر كثرة المال .. ومع ذلك فإن راوي الخبر الأول عبد الله بن سعدي، صحابي، ولكنه مختلف في وفاته، فقال ابن حبان، إنه توفي زمن عمر بن الخطاب، وقال غيره توفي سنة 57 هـ.
وراوي الخبر الثاني محمد بن سيرين، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، فأخباره عن زمن عثمان مرسلة.
وروى ابن شبّة أيضاً عن الحسن (البصري) قال: أدركت عثمان وأنا يومئذ قد راهقت الحلم، فسمعتُه يخطب، وما من يومٍ إلا وهمْ يقسمون فيه خيراً.
يقال: يا معشر المسلمين، اغدوا على أرزاقكم، فيغدون ويأخذونها وافرةً.
يا معشر المسلمين، اغدوا على كسوتكم، فيجاءُ بالحلل، فتقسم بينهم.
قال الحسن: حتى ـ والله ـ كان يقال: اغدوا على السمن والعسل.
قال الحسن: والعدوّ ينفر، والعطيات دارة، وذات البين حسن، والخير كثير، ما على الأرض مؤمنٌ يخاف مؤمناً.
(ب) ومنها أنه في سنة 29 هـ زاد في المسجد ـ مسجد المدينة ـ ووسعه، وبناه بالحجارة المنقوشة وجعل عُمُدَه من حجارة، وسقفه بالساج، وجعل طوله ستين ومائة ذراع وعرضه خمسين ومائة ذراع.
وهذه التوسعة الثالثة بعد بنائه في العهد النبوي .. ولعلَّ الذي كان يدعو إلى توسيع المسجد، زيادة عدد المسلمين، وكثرة الوافدين إلى المدينة، لشدّ الرحال إلى مسجد رسول الله، والتقاء الصحابة، وأخذ العلم عنهم وربما كان التجديد في البناء بَعْد عهد النبي صلى الله عليه وسلم يطرأ على عرش المسجد وأعمدته من الفساد، لأنها كانت تكون من جريد النخل وجذوعه، وبَعْد عهد الصحابة ربما كانت الأسباب الداعية إلى تجديده، ما يطرأ على بنيانه من الخلل، أو لحريق أو لتسجيل مأثرة في بناء…

الصفحة 279