كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)
285…
وفي السيرة النبوية لابن هشام [مجلد 539/ 2]. في قصة قدوم وَفْد ثقيف إلى المدينة: " فلما دَنَوْا من المدينة ألْفَوا المغيرة بن شعبة يحرس في نوبته ركاب رسول الله، وكانت رِعْيَتُها نُوباً على أصحاب رسول الله .. " .... أقول: ومثل هذه الأخبار، لا تدُل على وجود شُرطة، فهذه الأعمال التي يقوم بها الصحابة، ليست من وظائف الشرطة التي حدثتْ فيما بَعْدُ.
4 ـ ومما يدلُّ على عدم وجود الشرطة في العهد النبوي: قول الماوردي في الأحكام السلطانية: " الحبس الشرعي ليس هو السجن في مكان ضيق وإنما هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه، سواءٌ أكان في بيت أو مسجد، أو كان يتولى الخصمُ أو وكيله عليه وملازمته له وبهذا سماه النبيُّ أسيراً.
كما روى أبو داود وابن ماجد عن الهرماس بن حبيب عن أبيه قال: أتيتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم بغريم لي فقال لي: الزمه، ثم قال لي: يا أخا بني تميم ما تريد أن تفعل بأسيرك .. قال: وهذا كان هو الحبس على عهد رسول الله وأبي بكر الصديق ولم يكن له محبس معدٌّ يحبس الخصوم ... ".
والنصُّ يدل على أنه لم يوجد شرطة في العهد النبوي، لأن الشرطة لم توجد لحرب الأعداء، وإنما أُحدثت لحراسة المجتمع المسلم، وتنفيذ الأحكام، وتتبع أهل الريب من المسلمين الذي قد ينزغ الشيطان في نفوسهم.
والأعمال التي أُوكلت إلى الصحابة في العهد النبويّ، كانت لحراسة المدنية من كيد الكفار.
ولعل أقرب ما يكون إلى عمل الشرطة، إنما حدث في العهد الراشدي، وهو " العس ليلاً ". الذي شُهر به زمن عُمر بن الخطاب، ومع ذلك لم يخصص له رجالٌ. وإنما كان عُمَرُ يعسُّ بنفسه، وقد يصحب معه عبد الرحمن بن عوف ومولاه أسلم.
جاء في [طبقات ابن سعد 202/ 3]: " كان عمر أول مَنْ اشتدَّ على أهل…