كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

29…أصل العرب لأنهم العنصرُ العربي الصافي الذي لم يختلط بشيء من الهجنة.
ولغة العرب وديوانهم، إنما يكمُن عندهم، وهذا يعني أن عُمر كان يدعو إلى المحافظة على صفاء العرب، لتبقى لغتهم صافية، لأن الدين الإسلامي غربيّ اللغة، ولا يُفْهم إلا بلغة هؤلاء الأعراب، وقد صدق حَدْس ُ عُمَرُ، لأنَّ بداية تدوين اللغة كان من أفواه هؤلاء الأعراب، حيث قصدهم الرواة الأولون في باديتهم وأخذوا عنهم، ولو ترك هؤلاء باديتهم في وقتٍ مبكر، ونزلوا الحواضر، لضاع من اللغة شيء كثير.
وأما قوله " مادة الإسلام " لعلّه يريد أيضاً، أن لغتهم مادة الإسلام، أو لغة الإسلام، ويريد أيضاً أنهم المدد الذي يمدُّ جيوش الفتح، أو يمدُّ الحواضر بالعنصر العربي، كلما غلب عليها العرق الأعجمي المسلم.
3 - ومن عناية عُمرُ بالأعراب، ما كان عام الردة: حيث روى ابن سعد في [الطبقات 310/ 3] قال: لما صدر الناسُ عن الحج سنة ثماني عشرة أصاب الناس جَهْدٌ شديدٌ، وأجدبت البلادُ، وهلكت الماشية وجاع الناس وهلكوا، حتى كان الناسُ يُرَوْنَ يستّفون الرمّة ويحفرون نُفَقَ اليرابيع والجرْذان يُخرجون ما فيها .. وسمّي ذلك العام عام الرمادة لأنَّ الأرض كُلَّها صارت سوداء شبّهَتْ بالرَّماد، وكانت تسعة أشهر.
ويطهرُ أن البادية كان أكثر البلاد تأثُّراً بالقحط، ذلك أن أهل البادية يكون جلُّ اعتمادهم على المطر، ويعيشون من نتاج ماشيتهم، ولا يكون عندهم إلا رزقُ العام، وأما أهل الرِّيف، ومنهم أهل المدينة، فإنهم يسقون زراعتهم من ماء الآبار والعيون، وربما لا تتأثر كثيراً بجفاف سنة ٍ واحدة .. ثم إنَّ أهل المدينة يجمعون بين الزراعة والتجارة، وقد يدخرون في بيوتهم قوت عام أو عامين .. ومما يدلُّ على ذلك، ما رواه ابن سعد قال: " نظر عمرُ بن الخطاب عام الرمادة إلى بطّيخة في يد بعض ولده، فقال: بخ ْ بخ ْ يا ابن أمير المؤمنين، تأكل الفاكهة وأمةُ محمد هَزْلى؟ فخرج الصبيُّ هارباً وبكى، فسكت َ عُمرُ بعدما سأل عن ذلك…

الصفحة 29