كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)
293…
أم هي " .. وكان مع عائشة عدد من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وإن عائشة في القصة رمزٌ، لأنها أقرب الناس وأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أن عماراً رضي الله عنه كان يرى أن الحق الذي أنزله الله يؤيد صاحبه، فإن ما قيل في أمر عائشة وخروجها يمكن أن يقوله الآخرون في أمر خروج علي رضي الله عنه في الكوفة، ويمكن أن يقوله الفريق الثالث الذي اعتزل، فكل طرف من الأطراف يعد عمل الآخرين فتنة وابتلاء.
فهذا سعد بن أبي وقاص، حين رأى اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرُّقهم ـ بعد مقتل عثمان ـ اشترى له ماشية ثم خرج فاعتزل فيها بأهله على ماءٍ له، فجاءَه ابنه عُمَرُ فقال له: أرضيت أن تتَبَعَ أذناب هذه الماشية بين الجبال، والناسُ بالمدينة يتنازعون المُلْك، فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنها ستكون فِتَنٌ، خير الناس فيها الغنيُّ الخفيّ التقيّ " فإن استطعتَ يا بنيَّ أن تكون كذلك فكُنْ، فقال له عُمَرُ: أما عندك غير هذا؟ فقال له سعدٌ: لا، يا بُنَيَّ.
فوثب عُمَرُ ليركب، ولم يكن حطَّ عن بعيره، فقال له سعد: أمهلْ حتى نغدّيك، قال: لا حاجة لي بغدائكم، قال سعد: فنحلبُ لك فنسقيك.
قال: لا حاجة لي بشرابكم، ثم ركب فانصرف " [مسند أبي يعلي 94/ 2].
وروى أبو يعلى، أن سَعْدَ بن أبي وقاص، قال عند فتنة عثمان أشهدُ لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنها ستكون فتنةٌ، القاعدُ فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي " [95/ 2].
قال ابن حجر في [الفتح 31/ 13]: المراد بالفتنة، ما ينشأ عن الاختلاف في طلب الملك، حيث لا يُعلم المُحقُّ من المُبْطل.
ونقل عن الطبري قوله: الصواب أن يُقال: إن الفتنة أصلها الابتلاء.
وإنكار المنكر واجب على مَنْ قدر عليه، فمن أعان المحقَّ أصاب، ومن أعان المخطئ أخطأ وإن أشكل الأمر فهي الحالة التي ورد النهي عن القتال فيها.
وقد كان ما كان، فتنةً وابتلاءً واختباراً، لأنه مُشْكلٌ، شديد الإشكال لمن…