كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

294…
يقرأ أحداث، الجمل وصفّين: فالفريقان من المؤمنين والمسلمين، وفي الفريقين عددٌ من الصحابة.
ولعل القصة كانت أكثر إشكالاً في القرون التالية، واشتد ذلك في العصر الحديث .. وفي رأيي، أنَّ الأمر ليس مُشْكلاً بصورة تستعصي على الفهم ورُبَّما جاء افتتان الناس بالقصَّة، من طريقة عرضها أولاً، ومن الدوافع الكامنة وراء عرض القصة بالصورة التي تدعو إلى الافتتان بها، بل أقول: إنَّ القصة أكثر ما تكون إشكالاً على العامَّة، أمَّا أهل الفقه والدراية، فإنهم لا يَرَوْن في القصة ما تراه العامّة، ولذلك فإنني أميلُ إلى القول: بأن تُطوى هذه الصفحات، وألاّ تعرض في كتب التاريخ التي تقرأها العامّة ففي تاريخ رجال الصحابة من المناقب والأعمال الجليلة، ما يشغلنا عن ذِكْر قصة الفتنة.
وإذا كانت قراءَة التاريخ لما فيه من العِبَر، وكان في القصة الفتنة عِبْرة، فإنها ستكون بعيدة عن أفهام العامّة.
وإغفال ذكر القصة، لن يحدث خرماً في التسلسل التاريخي، ففي حياة الصحابة الذين حضروا الفتنة الكثير من الأعمال الجليلة التي تصلح للقدوة.
ومذهب السلف من أهل الفقه الكفُّ عن رواية ما يكون فتنةً للعامّة فقد بوّبَ البخاري في كتاب " العلم " باب " مَنْ خصَّ بالعلم قوماً دون قومٍ كراهية ألا يفهموا ".
وروي عن علي بن أبي طالب قوله: " حدثوا الناس بما يعرفون ـ أي يفهمون ـ أتحبون أن يكذّبَ اللَّهُ ورسوله ".
وروى مسلم عن ابن مسعود قوله: " ما أنت محدّثاً قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ".
وروى البخاري (حـ 120) عن أبي هريرة قال: " حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائين، فأمّا أحدهما فبثثتُه، وأما الآخر، فلو بثثتُه قُطعَ هذا البلعوم ".
وحَمل العلماء الوعاءَ الذي لم يبثثْه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أُمراء السُّوء وأحوالهم وزمنهم، وكان

الصفحة 294