كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

295…
كنتُ جالساً مع أبي هريرة في مسجد النبيّ ص، ومعنا مروان (بن الحكم) قال أبو هريرة: " سمعتُ الصادق المصدوق يقول: هلكةُ أُمتي على يَدَيْ غِلْمةٍ من قريش، فقال مروان: لعنة الله عليهم غِلمةً، فقال أبو هريرة: لو شئتُ أنْ أقول بني فلان وبني فلان، لفعلْتُ ".
ولعلَّ أبا هريرة لم يصرّح بما يعرفه خشية الفتنة.
قال ابن حجر في [الفتح 225/ 1] وممن كره التحديث ببعض دون بعض، أحمدُ في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان، ومالك في أحاديث الصفات وأبو يوسف في الغرائب.
ومِنْ قَبْلهم أبو هريرة كما تقدم عنه، وأن المراد بالوعاء الذي لم يبثثه ما يقع من الفتن، ونحوه عن حذيفة وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنيين، لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء، بتأويله الواهي.
وضايط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوّي البدعة، وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه، عند مَنْ يُخشى عليه الأخذ بظاهره، مطلوب.
وقصة الفتنة أيام خلافة عليّ بن أبي طالب رُوي أكثر أحداثها بأسانيد واهية، ومتونٍ لعبتْ بها الأهواء، ويَخْشَى مَنْ يروي أحداثها أن يقع في الكذب، فيُحدثُ فتنةً بعد فتنة.
وقد قال ص: " كفى بالمرءِ كذباً أن يحدِّث بكل ما سمع " [رواه مسلم في مقدمة الصحيح].
وقال عمر بن الخطاب: " بحسب المرءِ من الكذب أنْ يحدّث بكل ما سمع ". [مقدمة مسلم].
قال النووي: والكذب: الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو، ولا يشترط فيه التعمّد ولكن التعمّد شرط في كونه آثماً.
وقال السخاوي في كتاب " التوبيخ لمن ذمَّ التاريخ ": " ورحم الله منقح المذهب المحيوي النووي، فإنه لما أثنى على فوائد الاستيعاب للحافظ الحجة أبي عمر بن عبد البر قال: لولا ما شأنه من ذكْر كثير مما شجر بين الصحابة،…

الصفحة 295