كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

300…
أنهما يستحقّان ذلك ولكن أمرهما إلى الله تعالى، إن شاء عاقبهما ثم أخرجهما من النار كسائر الموحّدين، وإن شاء عفا عنهما، فلم يعاقبهما أصلاً. وقد احتجّ بهذا الحديث مَنْ لم يَرَ القتال في الفتنة.
ومحمد بن مسلمة الأنصاري، من أهل بَدْر .. وكان ممن ذهب إلى قَتْل كعب بن الأشرف وإلى ابن أبي الحقيق، واستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته على المدينة، وكان عند عمر بن الخطاب مُعَدَّاً لكشف الأمور المعضلة في البلاد .. وروي عنه أنه قال: " أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفاً فقال: قاتل المشركين ما قاتلوا، فإذا رأيتَ أُمتي يضرب بعضهم بعضاً فائت به أُحداً، فاضرب به حتى ينكسر ثم اجلس في بيتك .. " وقال ابن عبد البرّ: اعتزل الفتنة واتخذ سيفاً من خشب وجعله في جَفْن وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بذلك ... ولو أردنا استقصاء أسماء الصحابة المشاهير الذين اعتزلوا الفتنة، لا حتجنا إلى كتابٍ منفرد، ولكنني أذكر من فقهاء الصحابة غير ما ذكرت سابقاً أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وسعيد بن زيد القرشي، أحد العشرة وأبا هريرة، وأبا سعيد الخدري، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ...
أما عبد الله بن عمرو بن العاص، فقد شهد صفّين مع أبيه، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: أطع أباك. ولكنه اعتذر من شهود صفين وأقسَم أنه لم يرم فيها برمح ولا سهم. وروي عنه أنه كان يقول: ما لي ولصفين، ما لي ولقتال المسلمين، والله لوددت أني مت قبل عشر سنين. [الاستيعاب].
بوَّب البخاري في كتاب " الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة " بابُ: "ما ذَكَرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وحضَّ على اتفاق أهل العلم، وما اجتمع عليه الحَرَمان مكة والمدينة، وما كان بهما من مشاهد النبيّ صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار ومصلَّى النبيّ صلى الله عليه وسلم والمنبر والمقبرة " ... وقول البخاري: " وما اجتمع عليه الحرمان مكة والمدينة " يشعر بأنه…

الصفحة 300