كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

301…
يرى أن اجتماع أهل الحرمين كليهما، إجماعُ. ومِنْ رأي الإمام مالك أنَّ إجماع أهل المدينة حجّة .. وهذا التقرير في زمن البخاري ومالك، في عهد تابعي التابعين، أو بعدهم بقليل.
فاتفاق أهل الحرمين على أمر في عهد الصحابة، يكون إجماعاُ من باب أولى، للتعليل الذي ذكَره البخاري في ترجمة الباب.
وهذا كان رأي الصحابة وعملهم: أما العمل: فإن الخلفاء الراشدين الثلاثة الذين سكنوا المدينة، كانوا يشاورون مَنْ حولهم من أهل المدينة ثم يمضون الأمر، وكان هذا في أمور الخلافة، وفي مسألة كتابة المصحف وغيرها من الأمور.
وأما الرأي القولي، فثابت مما رواه البخاري، أن عمر بن الخطاب، كان في الحج فأراد أن يخطب المسلمين في أمر من أُمور الخلافة، فأشار عليه عبد الرحمن بن عوف ألا يفعل ذلك في الموسم، وقال له: " لا تفعل، فإنَّ الموسم يجمع رعاع الناس يغلبون على مجلسك، فأخاف أن لا ينزلوها على وجهها، فيطير بها كل مطير، فأمهل حتى تقدم المدينة دار الهجرة ودار السُّنًّة فتخلص بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، فيحفظوا مقالتك، وينزلوها على وجهها، فقال: والله لأقومَنَّ به في أول مقام أقومه بالمدينة " [البخاري حـ 7323].
فأخذ عمر بن الخطاب، بمشورة ابن عوف، واتفقا في الرأي، على أن أهل المدينة يفهمون من الشرع ما لا يفهمه غيرهم، لكثرة الصحابة، وكثرة الآثار النبويّة المرويَة.
أردت من إيراد هذه الآثار، أن أهل المدينة بخاصة، وأهل الحرمين بعامّة، وهو أهل الفقه، وأهل الخلّ والعقد، لم يكن لهم مشاركة كبرى في الفتنة، والتعبير الأدقّ، أن نقول لم يشارك في الفتنة من أهل المدينة ومكة إلا قلّة .. فقد ذكر ابن كثير في مسير علي بن أبي طالب من المدينة إلى البصرة " فقال: فلما بلغ علياً قَصْدُ طلحةَ والزبير البصرة، خطب الناسَ وحثهم على المسير إلى…

الصفحة 301