كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

302…
البصرة .. فتثاقل عنه أكثر أهل المدينة، واستجاب له بعضهم قال الشعبي: ما نهض معه في هذا الأمر غير ستة نفرٍ من البدريين، ليس لهم سابع. وقال غيره: أربعة. وذكر ابن جرير وغيره قال: كان ممن استجاب له من كبار الصحابة أبو الهيثم بن التيهان، وأبو قتادة الأنصاري، وزيد بن حنظلة، وخزيمة بن ثابت قالوا: وليس بذي الشهادتين، ذاك مات في زمن عثمان .. قال: وخرج عليٌّ من المدينة في نحو من تسعمائة مقاتل .. " 234/ 7. وانظر [الفتح 55/ 13] وقال ابن كثير في قصة وقعة الجمل: " وسار الناسُ في صحبة عائشة في ألف فارس، وقيل تسعمائة فارس من أهل المدينة ومكة .. " [231/ 7].
وخرج الإمام علي من المدينة بألف راكب أو تسعمائة، يُعَدٌّ قليلاً جداً بالقياس إلى عدد سكان المدينة في ذلك الزمن.
كما أن خروج عائشة بألف رجل من أهل مكة والمدينة قليل جداً، ومحموع ما خرج من الفئتين لا يمثل الرأي العام لأهل الحرمين، ولا يخرق الإجماع.
ولا بدَّ من التنبيه، بأن قلة مَنْ استجاب للخروج مع علي بن أبي طالب، لا يدلُّ على جفوة الناس له، وكرههم خلافته. فالإمام عليٌّ رضي الله عنه منزلته في قلوب الناس عظيمة. وفضله، وجهاده، ومناقبه، ثابتة بالأسانيد الصحيحة قال ابن حجر في [الفتح 71/ 7]: " قال أحمد وإسماعيل القاضي، والنسائي وأبو علي النيسابوري: لم يرد في حقّ أحدٍ من الصحابة بالأسانيد الجياد، أكثر مما جاء في عليّ، وكأنَّ السبب في ذلك أنه تأخّر، ووقع الاختلاف في زمانه، وخروج مَنْ خرج عليه، فكان ذلك سبباً لانتشار مناقبه، من كثرة مَنْ كان بيَّنَها من الصحابة، ردّاً على مَنْ خالفه ".
وإنما تأخّرَ مَنْ تأخر عن متابعته، احتراساً من الفتنة، أو لأنهم رأوها فتنة يحسنُ الاعتزال منها، حيث صحت عندهم الأدلة التي تحذّر من عواقب الفتن، وتحث على الاعتزال، وتنهى عن اقتتال المسلمين، ورأوا أن عمل الإمام عليّ اجتهاد، يقوم على تأويلٍ، هداهم اجتهادهم إلى غيره .. …

الصفحة 302