كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)
304…
مع أنَّ كليهما جعل تصرف صاحبه نحو الفتنة عيباً .. فعمّارٌ يرى إبطاء أبي موسى وأبي مسعود عن تأييد علي عيباً.
وأبو موسى وأبو مسعود رأيا إسراع عمار في تأييد الإمام عليّ عيباً.
وكلاهما له حجته التي اقتنع بها: فمن أبطأ فذلك لما ظهر لهم من ترك مباشرة القتال في الفتنة، تمسكاً بالأحاديث الواردة في ذلك، وما في حمل السلاح على المسلم من الوعيد.
وكان عمارٌ: على رأي عليٍّ في قتال الباغين والناكثين، والمتمسك بقوله تعالى: (فقاتلوا التي تبغي)، وحمل الوعيد الوارد في القتال على مَنْ كان متعدياً على صاحبه.
وكلا الفريقين، لم يكن حريصاً على قَتْل صاحبه، ويتعلق الطرفان بأدنى سبب لمنع الاشتجار قبل أن يقع، وفض الالتحام إن وقع، لأن الطرفين كانا كارهين الاقتتال، ولم يكن مَنْ حضر الوقعتين ـ الجمل وصفين ـ يُسَّرُ لاقتتال المسلمين، وكأنَّ مَنْ حضَرها من الصحابة وأهل الرواية، إنما حضروها، لتخفيف وطأة الحرب إنْ وقعتْ، ويمثل لهذا الاتجاه قصتان رواهما البخاري في الصحيح: الأولى: رواها البخاري عن أبي وائل (شقيق بن سلمة الأسدي، أدرك النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولم يره) وكان شهد صفين مع علي: قال الأعمش: سألتُ أبا وائلٍ، هل شهدتَ صفين: قال نعم. فسمعت سهل بن حنيف يقول: يا أيها الناسُ اتهموا رأيكم على دينكم، لقد رأيتني يَوْمَ أبي جندلٍ، ولو أستطيعُ أن أردَّ أمْرَ رسولِ اللَّهِ ص، لرددْتُه. وما وضعْنا سيوفنا على عواتقنا إلى أمرٍ يُفْظعُنا إلا أسْهلنَ بنا إلى أمرٍ تعْرفُه، غيرَ هذا الأمر.
قال: " وقال أبو وائل: شهدْتُ صفين وبئستْ صفينُ " [كتاب الاعتصام باب 7].
ويوم أبي جَنْدل، يوم الحديبية، وأبو جندل، هو ابن سهيل بن عمرو، وقد جاء إلى معسكر المسلمين مسلماً، وهو يرسف في قيوده، فردّه…