كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

305…
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة، لأن الاتفاق كان يقضي بذلك، فغضب بعض الصحابة لإرجاع مسلم إلى ديار الكفر، ولكن ما يراه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يراه غيره، فهو يقضي بأمر من ربّه .. فاستجاب المسلمون لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنْ كان ظاهره يخالف الرأي والعقل، لأن الدين حاكم على العقل والرأي، لأنه من الله تعالى.
ومناسبة ذكْر سهل بن حنيف القصة: عندما رفع أهل الشام المصاحف في صفّين وطلبوا تحكيم كتاب الله بين المسلمين، فرضي الإمامُ عليّ رضي الله عنه، ولكن عصبةً من أهل العراق رفضوا ذلك .. فقال لهم سهل بن حنيف: " اتهموا رأيكم على دينكم " يعني لا مجال للرأي عندما يحكم الله ورسوله بحكم .. وكأنهم اتهموا سهلاً بالتقصير في القتال حينئذٍ، فقال لهم: " بل اتهموا أنتم رأيكم، فإني لا أُقصّر كما لم أكن مقصّراً يوم الحديبية وقت الحاجة، فكما توقفت يوم الحديبية من أجل أني لا أُخالف حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذلك أتوقف اليوم لأجل مصلحة المسلمين ".
وقول سهل في الحديث: " وما وضعنا سيوفنا الخ " يعني أنهم كانوا إذا وقعوا في شدةٍ يحتاجون فيها إلى القتال في المغازي، والفتوح العمرية، عمدوا إلى سيوفهم فوضعوها على عواتقهم، وهو كناية عن الجدّ في الحرب، فإذا فعلوا ذلك انتصروا، وهو المراد بالنزول في السهل، ثم استثنى الحرب التي وقعت بصفّين، لما وقع فيها من إبطاء الحسم وشدة المعارضة من حجج الفريقين إذْ حجة عليّ ومَنْ معه ما شُرع لهم من قتال أهل البغي حتى يرجعوا إلى الحقّ وحجة معاوية ومَنْ معه، ما وقع من قتْل عثمان مظلوماً ووجود قتلة عثمان بأعيانهم في العسكر العراقي، فعظمت الشبهة .. " [الفتح 288/ 13].
فقبول الإمام علي تحكيم كتاب الله، دليل على أنه يعدُّ العسكر الشامي من أهل القبلة. وأهل القبلة يكون بينهم الإصلاح لا القتال، وأنه يرغب في الإبقاء على هذه القوة وأن لا تفنى .. وكذلك يفسّر قول سهل بن حنيف.

الصفحة 305