كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)
306…
وتأمل قول أبي وائل: " شهدتُ صفين وبئست صفّيْنُ " وهو يذمُّ ما كان في المعركة من الطرفين، ولا يخصُّ طرفاً واحداً، وهذا يدل على أنه كان متألماً من وقوع الاشتجار بين الفريقين.
وإليك قصة معاوية، والحسن، رضي الله عنهما: رواها البخاري عن الحسن البصري قال: " استقبل واللَّهِ الحسنُ بن عليّ، معاويةً بكتائب أمثالِ الجبال، فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولّي حتى تقتلَ أقرانها، فقال له معاوية: أيْ عمُرو: إن قتل هؤلاءِ هؤلاءِ، وهؤلاءِ هؤلاءِ، مَنْ لي بأمور الناس مَنْ لي بنسائهم، مَنْ لي بضيعتهم، فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس، عبد الرحمن بن سمرة، وعبد الله بن عامر بن كُريز، فقال: اذهبا إلى هذا الرجل، فاعرضا عليه .. فصالحه .. " [كتاب الصلح باب 9].
وكما ظهر في القصة السابقة حرص الإمام علي على الإصلاح والإبقاء على المسلمين ظهر أيضاً في هذه القصة رأفة معاوية بالرعيّة وشفقته على المسلمين وقوة نظره في تدبير الملك، ونظره إلى العواقب [عن الفتح 66/ 13].
فالصحابة الذين نأخذ القدوة منهم، لم يكونوا أهل فتنٍ، ولم يكونوا يَسْعَوْن إليها ولا هي من طبعهم، ويحترس أحدهم من الكلمة يقولها حتى لا تؤدي إلى فتنة. فهذا ابن عمر، يعتزل الفتنة بسيفه، ويعتزلها بلسانه، لأن اللسان قد يكون أحدَّ من السنان، وأول الفتن كلمة .. فقد روى البخاري عن ابن عمر في أيام الفتنة، قال: " دخلتُ على حفصة ـ أُخته ـ. قلتُ: قد كان من أمر الناس ما تَرَيْن، فلم يُجْعل لي من الأمر شيء. قالت: الحق بهم فإنهم ينتظرونك، وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فُرْقة، فلم تدعْه حتى ذهب، فلما تفرق الناس، خطب معاوية، قال: مَنْ كان يريد أن يتكلّم في هذا الأمر، فليطلع لنا قرْنه، فلنحن أحقُّ به ومِنْ أبيه. قال حبيب بن مسلمة ـ صحابي صغير كان مع معاوية ـ فهلاَّ أجبتَه؟ قال عبد الله: فحللتُ حُبْوتي، وهممتُ أن أقول: أحقُّ بهذا الأمر منك، مَنْ قاتلك وأباك على الإسلام ـ يريد السابقين إلى…