كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)
307…
الإسلام ـ قال ابن عمر: فخشيتُ أقول كلمةً تفرّقُ بين الجمع، وتسفك الدم ويُحمل عني غير ذلك، فذكرتُ ما أعد اللَّهُ في الجنان.
قال حبيب: حُفِظتَ وعُصِمْتَ ". [البخاري ـ كتاب المغازي ـ غزوة الخندق].
والحديث يحكي ما كان بعد القتال في صفين، يوم اجتماع الناس على التحكم بينهما فيما اختلفوا فيه.
فراسلوا بقايا الصحابة من الحرمين وغيرهما، وتواعدوا على الاجتماع لينظروا في ذلك، فشاور ابن عُمر أخته حفصة في التوجه إليهم أو عدمه، فأشارت عليه باللحاق بهم خشية أن ينشأ من غيبته اختلاف يُفْضي إلى استمرار الفتنة .. وكان اجتماعُ الناس بدومة الجندل.
وقوله: فلمَّا تفرق الناس، أي: بعد أن تكلّم الحَكَمان، أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص.
وتأمل قول حبيب: حُفِظتَ وعُصِمْتِ. فقد استحسن سكوت ابن عمر بعد أن علل له سبب سكوته. وكان حبيب قد قال له قبلها: فهلاّ أجبته؟ أي: هلاّ قلتَ له إن هناك من هو أحقُّ بالخلافة منك. مع أن حبيب بن مسلمة كان من أهل الشام، وهو الذي أرسله معاوية في عسكر لنصر عثمان، فقُتل عثمانُ قبل أن يصل، فرجع فكان مع معاوية، وولاه غزوة الروم، فكان يقال له حبيب الروم لكثرة دخوله عليهم.
وقول معاوية: " فلنحن أحقُّ به .. " قال ابن حجر: وكان رأي معاوية في الخلافة تقديم الفاضل في القوّة والرأي والمعرفة على الفاضل في السبق إلى الإسلام والدين والعبادة، فلهذا أطلق أنه أحقُّ.
ورأي ابن عمر أنه لا يُبايع المفضول إلا إذا خشي الفتنة، ولهذا بايع بعد ذلك معاوية ثم ابنه يزيد ونهى بنيه عن نقض بيعته، يوم فتنة الحرّة.
وشَرَحنا فصل سابق قصة الوليد بن عقبة، وكان عثمان قد أبطأ في البتّ في قصته، ليصل إلى درجة اليقين فيها .. فروى البخاري أنَّ قوماً قالوا…