كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

309…
والمراد بالتمثيل في هذه الأبيات، استحضار ما شاهدوه وسمعوه من حال الفتنة فإنهم يتذكرون بإنشادها ذلك فيصدّهم عن الدخول فيها، حتى لا يغترّوا بظاهر أمرها أولاً ...
وخلف بن حوشب الذي نقل عنه البخاري، كان من أهل الكوفة، روى عن جماعة من كبار التابعين، وأدرك بعض الصحابة، وكان عابداً .. وكان يقول: ينبغي للناس أن يتعلموا هذه الأبيات في الفتنة.
ولم ينشب الخلاف بين الفرقتين، من أجل المُلْك، أو من أجل المال .. وإنما نشأ الخلاف بسبب اختلافهم في الإجابة عن سؤال: كيف تُساس الرعيّة في ظلّ أحوال طرأت، لم تحدثْ من قَبْلُ، وليس لها مثل سابق يتبعونه؟ وبين أيديهم القرآن الكريم، والحديث الشريف، وفيها نصوص تتعلق بسياسة الرعية، اجتهد الفريقان في تأويلها، وكلا الفريقين يرى شبهةً في تأويل الفريق الآخر .. وتواقف الفريقان للتقريب والإصلاح ثم وصلتْ القصة إلى طور القتال، ولم يكن القتالُ في خُطّة كلا الفريقين ولم يكن رؤساء الفريقين أول مَنْ رمى بسهم في الفتنة.
فكيف كان القتالُ إذن؟ أُلخّصُ القصة في التالي:
بدأت القصة في أعقاب حصار عثمان بن عفان، وقتله .. فخلا منصب الخلافة ولم يكن في الساحة إلا مَنْ بقي من أهل الشورى الذين اختارهم عمر، ليكون الخليفة بعده منهم. وبقي منهم: عليُّ، وسعدٌ، وطلحة، والزبير. فبايع الناسُ عليَّ بن أبي طالب، وهو جدير بها .. ولو لم يُقتلْ عثمانُ، فربما أوصى له بالخلافة من بَعْده. ولو اجتمع الأربعة للشورى، ربما وقع الاختيار عليه، لأنه كان واحداً من اثنين، وقع عليهما اختيار أهل الشورى.
فعندما قام عبد الرحمن بن عوف بتنظيم المشاورة في الخليفة .. أعطى سعدٌ صوته لعبد الرحمن، وأعطى الزبير صوته لعلي، وضم طلحة صوته لعثمان…

الصفحة 309