كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

31…عمر يأمر بالزيت فيفار في القدور الكبار على النار حتى يذهب حُمّته وحرّه، ثم يثرد الخبز ثم يؤدم بذلك الزيت، فكانت العرب يُحمّون من الزيت.
وكانت أعداد كثيرة تبقى في منازلها حول المدينة، فيرسل إليهم عُمَرُ بالأقوات لما روى ابن سعد (317/ 3) عن مالك بن أوس بن الحَدَثان من بني نصر قال: لما كان عامُ الرمادة قدم على عمر قومي، مائة بيت، فنزلوا بالجبّانة (شمال المدينة) فكان عُمر يُطعم من الناس مَنْ جاءَه، ومن لم يأت أرسل إليه بالدقيق والتمر والأُدم إلى منزله، فكان يُرسل إلى قومي بما يُصلحهم شهراً بشهْرٍ، وكان يتعاهد مرضاهم وأكفان مَن ْ مات منهم، لقد رأيت ُ الموتَ وقع فيهم حبن أكلوا الثُّفْل (1)، وكان عمر يأتي بنفسه فيصلي عليهم، لقد رأيتُه صلى على عَشْرَة جميعاً وبقى في البادية أضعاف مَنْ نزحوا إلى المدينة، فاهتمَّ عُمَرُ لأمرهم .. وكان عُمَرُ قد كتب إلى عمرو بن العاص في مصر، ومعاوية في الشام، وسعد بن أبي وقاص في العراق لإرسال المدد من الأطعمة، فأرسل عمرو بن العاص، بالبرّ والبحر وكذلك جاءَت الإمدادات من الشام والعراق .. فلما قدم أوّلُ الطعام كلَّم عُمرُ رجالاً يتلقّون قوافل الطعام، ويميلون بها إلى أهل البادية فاقوا قافلة مصر بأفواه الشام، لأنَّ طريق البرّ المصري يمرُّ بالعقية (أيلة) وكذلك لقوا قافلة الشام بأفواه الشام، وقافلة العراق بأفواه العراق وكانو ا يوزعونها على أهل البادية…
__________
(1) الثُّفْلُ: قال ابن منظور: الثُّفْلُ: الحبُّ، ووجدت بني فلان متثافلين، أي يأكلون الحبَّ وذلك أشدُّ ما يكون من الشظف، وذلك إذا لم يكن لهم لبن. قال أبو منصور: وأهل البدو إذا أصابوا من اللبن ما يكفيهم لقوتهم فهم محصبون لا يختارون عليه غذاءً من تمرٍ أو زبيب او حبّ، فإذا أعوزهم اللبن وأصابوا من الحبّ والتمر ما يتبلغون به فهم مثافلون، ويسمون كل ما يؤكل من لحمٍ أو خبزٍ أو ثمرٍ ثفْلاً، ويقال: بنو فلان مثافلون، وذلك أشدُّ ما يكون حال البدويّ. وارجع إلى " أطعمة العرب " في الباب الأول، فإنك تجد أكثرهم يدخل فيه اللبن ومشتقاته.

الصفحة 31