كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)
310…
فكانوا ثلاثة، فنزل عبد الرحمن عن حصته، فبقي اثنان، علي، وعثمان فوقع الاختيار يومها على عثمان، فعليُّ يأتي بعده.
ولو اجتمع الأربعة، وكان اختيار، وتضامت الأصوات، لكان ثلاثة في جانب: وهم عليٌّ، والزبير، وسعدٌ، لأنهم الأقرب نسباً وسيكون طلحة في جانب.
ومهما كان الأمر، فإن علياً، إنْ لم يكن أفضل الأربعة، فهو واحدٌ من أربعة تتجه إليهم الأنظار .. فوقع اختيار القوم على عليّ.
وبايع المسلمون في المدينة علياً، وإذا تمّتْ البيعة في المدينة، فهي بيعة المسلمين، لأن السُّنَّة في الخلفاء السابقين جرت بذلك، ولأنَّ في المدينة أعلام الصحابة.
وليس ذلك بعيب في نظام الاختيار الإسلامي، لأن الصحابة الذين ائتمنهم المسلموت على أمر دينهم، وكانوا واسطة لنقل الوحي والحديث عن صاحب الرسالة، فإنهم يأتمنونهم على حُسْن اختيارهم الخليفة.
والانتخاب الغوغائي الهمجي في العصر الحديث ليس خيراً من الانتخاب الإسلامي.
ذلك أن الانتخاب الحديث يقوم على التدليس وشراء عقول العامّة، وتقديم الوعود الكاذبة، أما الاختيار الإسلامي فإنه يقوم على اختيار القادر على تنفيذ ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله.
ولكن الشبهة التي أدخلوها على بيعة عليّ، كون الخوارج الذين حاصروا عثمان، وشارك بعضهم في قتله، كانوا في المدينة، وأنهم أول مَنْ بدؤوا بالبيعة وأن طلحة والزبير بايعا مكرهين ..... وهذه من أقاويل المؤرخين، لا تقوم على أساس، وليس لها سَندٌ صحيح .. والصحيح أنه لم يجد الناسُ بعد أبي بكر وعمر وعثمان، كالرابع قدراً وعلماً وتقى وديناً، وسابقة وجهاداً، فعزم عليه المهاجرين والأنصار، ورأى ذلك فرْضاً عليه، فانقاد إليه. ولولا الإسراعُ بعقد البيعة لعليّ، لأدى ذلك إلى…