كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

311…
فتنٍ واختلافات في جميع الأقطار الإسلامية، فكان من مصلحة المسلمين أن يقبل عليٌّ البيعة مهما كانت الظروف المحيطة بها.
ولم يتخلف عن بيعة عليّ أحد من الصحابة الذين كانوا بالمدينة .. وقد خلطوا الناسُ بين تخلف الصحابة عن السير معه إلى البصرة، وبين البيعة: أما البيعة، فلم يُتخلف عنها، وأما السيرُ معه، فقد تخلفوا عنه لأنها كانت مسألة اجتهادية.
وأما القول بأن طلحة والزبير بايعا مُكْرهين، فليس عليه دليل، ولا نُقِل عنهما بسند صحيح ولا ضعيف، قال أبو بكر بن العربي: " ولو كانا مكرهين ما أَثَّر ذلك لأنَّ واحداً أو اثنين تنعقد البيعة بهما وتتمّ، ومَنْ بايع بعد ذلك فهو لازم له، وهو مُكْرهٌ على ذلك شرعاً، ولو لم يبايعا ما أثّر ذلك فيهما ولا في بيعة الإمام " [العواصم ص 144].
أما كونه لم يُوقع القصاص على قتلة عثمان بَعْد بيعته، فهذه يُعْذَرُ فيها: لأنَّ الخلافة في المدينة، لم يكن لها شرطة أو عسكر، وهؤلاء الذين حاصروا عثملن وكان منهم قتلتُه، وكانوا قوةً مسلحة، وكانوا هم المستولون على زمام الأمر في المدينة .. ولم يكن في استطاعة الخليفة الجديد في حالة الإرهاب التي كانت سائدة أن يمسك بالجناة منهم .. ولما انتقل عليٌّ من المدينة إلى العراق، انتقل معه قتلة عثمان ولا سيما أهل البصرة والكوفة منهم، فلما صاروا في بصرتهم وكوفتهم صاروا في معقل قوتهم وعنجهية قبائلهم ... وأما خروج الزبير وطلحة إلى البصرة، فلم يكن خروجاً على عليّ، وخلْعاً له لأنَّ أحداً لم ينقل أن عائشة ومَنْ معها نازعوا علياً في الخلافة، ولا دعوا إلى أحد منهم ليولوه الخلافة [الفتح 41/ 13 ـ 42].
وأصحّ ما وصلنا مما صرّحوا به، أنهم كانوا يطلبون قتلة عثمان، حيث رأوا أنَّ الخليفة في حالته التي كان فيها، غير قادر على الاقتصاص من القتلة في المدينة.

الصفحة 311