كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)
314…
وأمره أن لا يتقدم إليهم بقتال، حتى يبدؤوه بالقتال، ولكن ليدعهم إلى البيعة مرّة بعد مرّة فإن امتنعوا فلا يقاتلهم، ولا يقرب منهم قُرْب مَنْ يريد الحرب، ولا يبتعد منهم ابتعاد مَنْ يهاب الرجال، ولكن صابرهم حتى آتيك .. ". [256/ 7].
وفي مكان آخر، قال: " عندما منع أهلُ الشام، أهلَ العراق من ورود الماء في صفين، جاء أصحابُ عليّ علياً فشكوْا إليه ذلك، فبعث صعصعة بن صوحان إلى معاوية يقول له: إنا جئناكم كافّين عن قتالكم حتى نقيم عليكم الحجة، فبعثت إلينا مقدمتك فقاتلتنا قبل أن نبدأكم، ثم هذه أُخرى، قد منعونا الماء .. فقال عمرو بن العاص: خلّ بينهم وبينه فليس من النّصف أن نكون ريانين وهم عطاش .. " [257/ 7]. قالوا: " وكان قد أشار على عليّ جماعة أن يقيم بالكوفة ويبعث الجنود وأشار آخرون أن يخرج فيهم بنفسه، وبلغ معاوية أن علياً قد خرج بنفسه، فاستشار عمرو بن العاص، فقال له: اخرج أنت أيضاً بنفسك " وخروج رئيسي الطائفتين بنفسيهما، يجعل قيادة العسكرين بيدي الزعيمين ويجعلهما قريبين من ساح اللقاء .. والتفسير الوحيد عندي، لهذا الصنيع، حرصهما على الصلح، وعدم رغبتهما في القتال، ولكبح جماح الفتنة إذا جمحت، وإطفائها إذا اشتعلت، وللتقليل من أثر التصرّفات الطائشة الهمجية إذا وقعت.
لأن زمام الأمر يكون بيد القائد الأعلى. فإن قربهما من ساح التواقف، هو شبيه بالخط الهاتفي الساخن الذي ينشئه رئيسا دولتين بينهما، خوفاً من تصرفات الأغرار الذين لا يقدرون عواقب الحرب.
ونجد تفسير ما ذكرتُه، في أحداث المنازلات التي وقعت وكان ذلك يوم رفع المصاحف للتحكيم .. فلو كان الإمام علي بعيداً عن ساح النزال، لجاء الجواب والقبول بالتحكيم متأخراً، بعدج أن يكون الطرفان قد تفانوا، ولا سيما أن كثيراً من القواد كانوا يرفضون التحكيم .. ومهما قالوا في الهدف من التحكيم، ورفع المصاحف، فإنه حقَنَ دماءَ المسلمين.
…