كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)
328…
فاقتصر البخاري على القدر الذي سمعه أبو سعيد من النبيّ صلى الله عليه وسلم دون غيره، وهذا دال على دقّة فهمه وتبحره في الاطلاع على علل الحديث.
وانظر [إرشاد الساري 441/ 1] فقد رواه بدون الزيادة (تقتله .. ) وحديث " تقتل عماراً الفئة الباغية " رواه مسلم، والترمذي والنسائي، والطبراني أقول: ويعجبني قولهم: إنَّ البخاري حذفها عمداً .. لأن أبا سعيد لم يسمعها بنفسه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو سعيد الخدري، لا يشكُّ فيما نقله عن الصحابة رضوان الله عليهم.
ولعل النكتة في أن البخاري حذفها عمداً، لأن العبارة مُشْكلة على أهل القرن الأول الذين حضروا الأحداث، وما زالت مُشكلة إلى اليوم، وعندما حذفها البخاريُّ، لم يكتم سنةً، أو حكماً شرعياً، ولم ينقص من منزلة عمار بن ياسر .. وكأنه لحظ ببصيرته الواعية، ما سيكون لكتابة الصحيح من الأثر في نفوس الناس، فأراد أن ينزه الصحابة عن كل شيء يشين مهما كان صغيراً، أو كان فيه شبهة.
وقالوا: حديث: " تقتل عماراً الفئة الباغية .. " من أعلام النبوة .. وهذا حقٌّ لأنه أخبر بما سيقع، فوقع، ولكن أعلام النبوة تُعدَّ بالمئات، وحذف واحدة لا يضرُّ وقالوا: في الحديث فضيلة ظاهرة لعليّ وعمار.
وكون علي كان على حقّ لا نجادل فيه، ولكن حذف هذه الفضيلة لا تنقص فضائله الكثيرة التي كانت له في العهد النبويّ .. وما كان أغنى علياً عن فضيلة، تنقص من أقدار صحابة آخرين كانوا في الشام.
ومهما اعتذر العلماء للفريقين، وقالوا: إنهم مجتهدون متأولون، فإن ذلك لا يمنعُ قلب القارىء من التحوّل يميناً أو يساراً نحو هذه الفئة أو تلك، ونحن نروي له " تقتل عماراً الفئة الباغية ".
وتحوّل القلب عن صحابي، لا نريده أن يكون، لأن هؤلاء وهؤلاء أعلام وقدوة، ورواة حديث وفقه، ونرغيب في أن يكون للجميع مكانة في قلب المسلم، كلٌّ حسب سابقته وجهاده في حرب الكفار. وقد ظهر لي (والله أعلم) أن الحديث المذكور، مكون من حديثين:…