كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

329…
الأول: يا ابن سمية , تقتلك الفئة الباغية.
والثاني: ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار.
والحديثان في مناسبتين مختلفتين وفي الحديث الثاني يَذْكُرُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم , ما لاقاه عمارٌ من الشدّة في مكة , وثباته على الإسلام , ومناسبته لبناء المسجد , وحمله لبنتين لبنتين , ما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلابته وقوته فذكّره ذلك بصبر عمار على الأذى في سبيل الله , وهو اليوم يتحمل التعب مضاعفاً لبناء بيت الله.
وأما حديث " تقتلك الفئة الباغية " فلعله كان في مناسبة أُخرى .. وتأويله عندي أنه لا يعمُّ كلَّ مَنْ كان في أهل الشام .. وقد رأينا سابقاً أن كلا الطائفتين ضمت فئات كثيرة , وقبائل متعددة , ولا يمنع أن يكون في كل طائفة فئة باغية فلعله قد اندسّ في الطائفتين مَنْ كان يريد الدنيا , أو يريد الفساد , أو مَنْ كان في قلبه غِلٌ وحقد وحسد.
ومَنْ قتل طلحة والزبير وعمارا ً مِنْ هؤلاء البغاة المفسدين في الأرض.
ومَنْ قتل عماراً كان من فئة من فئات كثيرة تضمنها كل طائفة من الطائفتين وإحدى هذه الفئات كانت باغية , وهي التي ينتمي إليها قاتل عمّار , والله أعلم.
وكنتُ قد اجتهدتُ في هذا التأويل، ثم وجدتُ ما يؤيده في كتاب [منهاج السُّنَّة النبويّة 224/ 2]. حيث قال ابن تيمية رحمه الله:
إنَّ الذين قُتِلوا من الطائفتين، قَتَل هَؤلاءِ من هؤلاءِ، وهَؤلاءِ من هؤلاءِ وأكثر الذين يختارون القتال من الطائفتين، لم يكونوا يطيعون لا علياً ولا معاوية، وكان عليٌّ ومعاوية ـ رضي الله عنهما ـ أطْلَبَ لكفِّ الدماء من أكثر المقتتلين، لكنْ غُلبا فيما وقع. والفتنةُ إذا ثارتْ عجز الحكماءُ عن إطفاءِ نارها. وكان في العسكرين مثل الأشتر النخعي وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص المرقال، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وأبي الأعور السُّلمي ونحوهم من المحرضين على القتال: قوم ينتصرون لعثمان غاية الانتصار، وقوم ينفرون عنه، وقوم ينتصرون لعليّ، وقوم ينفرون عنه.
ثم قتال أصحاب معاوية معه لم يكن…

الصفحة 329