كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

33…بداية سنة تسع عشرة كان في أواخر فصل الشتاء، حيث انتظر الناسُ سقوط الأمطار في موسمها، فلم تسقط الأمطار في ذلك العام، وجاء فصل الربيع وأعقبه الصيف، ولا مرعى للماشية فكان ما كان .. ولا بدَّ أن ينتظر الناسُ إلى موسم الأمطار القادم .. وربما تداخلت سنة تسع عشرة، مع سنة عشرين في القحط أو جاء موسم الأمطار في سنة عشرين، لأن صلاة الاستسقاء التي أقامها عمرُ سنة الرمادة، لن تكون في موسم صيف، وبخاصة وأن المناطق التي توافد منها الأعراب يظهرُ أن أمطارها شتوية، حيث جاؤو ا من الشرق والشمال والغرب ... هذا، وقد بقي الناسُ في كرب حتى استسقى عمرُ بن الخطاب، مستشفعاُ بالعباس عمّ النبيّ ص، فجاءَت الأمطار غَدقاً، فأحيت الأرض وأنبتت الكلأ ... قال ابن سعد: فما برحوا حتى أرسل اللهُ السماءَ، فلما مطرت، وكَّل عمر كلَّ قوم من النفر الذين كانوا يشرفون على إطعام الناس، بناحيتهم يخرجونهم إلى البادية ويُعطونهم قوتاً وحُملاناً إلى باديتهم .. قال ابن سعد: فلما أحيوا قال عمر: اخرجوا من القرية إلى ما كنتم اعتدتم ُ من البريّة فجعل عمرُ يحملُ الضعيف منهم حتى لحقوا ببلادهم [الطبقات 317/ 3] ... ويظهر أن أكثر الأعراب الذين قدموا إلى المدينة لإمحال بلادهم، جاءوا من جهة شمال المدينة، لما روى ابن سعد عن أسلم، مولى عمر؛ قال: كُنَّا في الرمادة لا نرى سحاباً، فلما استسقى عمرُ بالناس، مكثنا أياماً، ثم جعلنا نرى قزع السحاب، وجعل عُمر يظهر التكبير كلما دخل وخرج، ويكبّر الناسُ، حتى نظرنا إلى سحابة سوداء، طلعت من البحر، ثم تشاءَمت، فكانت الحيا (المطر) بإذن الله.
والشاهد قوله: ثم تشاءَمت .. أي ذهبت نحو الشمال.
وقوله: "طلعت من البح ر " فالمدينة لا تجاور البحر، وإنما أراد: من جهة بحر ينبع فإنَّ ينبع تقع…

الصفحة 33