كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)
330…
لخصوص معاوية، بل كان لأسباب أُخرى. وقتال الفتنة، مثل قتال الجاهلية، لا تنضبط مقاصد أهله واعتقاداتهم.
كما قال الزهري: وقعت الفتنة، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون، فأجمعوا أنَّ كلَّ دمٍ أو مالٍ أو فرج أُصيب بتأويل القرآن، فإنه هَدْرٌ. أنزلوهم منزلة الجاهلية. (ا. هـ).
وخلاصة القول الذي انشرح له صدري، أُلخّصه في التقاط التالية:
1 ـ لم يكن مَقْصدُ واحدٍ من أعلام الصحابة، القتْلُ أو القتالَ، وإنما جاء القتالُ عرضاً، ولم يستطيع أعلام الطائفتين السيطرة عليه.
2 ـ جلُّ ما جاءَ في كتب التاريخ، حول فتنة الجمل وصفين، منقول بأسانيد واهية أو بدون أسانيد، وهو من تأويلات المؤرخين، أو من أخبار القُصّاص فلنحذر من قبوله وروايته، لأنه متأثر بالميول والأهواء المذهبية والسياسية.
3 ـ لا يصحُّ التشكيك في نيّات الصحابة، ولا يصحُّ الإعلان عن مقصدهم إلا بناءً على أقوال صريحة سُمعَتْ منهم، وتقلت بأسانيد صحيحة.
(أ) فلم يصرح عليٌّ بجواز قتل أهل الشام، ولم يُنقلْ عنه وَصْفهم بكفر أ و فسق أو فجور.
(ب) ولم ينقل عن معاوية وأعلام الصحابة معه إباحة دماء أهل العراق، إلا ما ذكروا من طلبهم قتلة عثمان لإيقاع الحدّ عليهم.
(حـ) كان الطرفين حريصين على أن لا تراقَ دماءُ المسلمين: والأدلة على ذلك كثيرة: منها: أنَّ علياً أمر أصحابه ألا يبدؤوا بالقتال، ومنها قبوله تحكيم كتاب الله تعالى .. ومنها أن معاوية، أو أهل الشام رفعوا المصاحف طلباً للتحكيم لحقن دماء المسلمين .. ولا يصحُّ أن ما قيل إن أهل الشام رفعوا المصاحف خدعة بعد أن استحرَّ القتلُ فيهم، فحقيقة الأمر لا يعرفها إلا الله، والظاهر أنهم أرادوا جمع المسلمين على كلمة سواء، وإطفاء الفتنة ... ولو افترضنا أن ذلك…