كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)
332…
يكون لأحدهم من الأفعال الشخصية، ما لو تركناه لم نكن مخالفين السُّنَّة.
فنأخذ من حسناتهم ونترك ما نظنُّه سيئة، فالصحابة ليسوا معصومين.
(جـ) إذا حضر الفتنة عشرة أو عشرون من الصحابة، فإن عشرات لم يحضروها.
(د) لم يدّع أحد الطرفين أنَّ حُكْمَه هو حكم القرآن الذي لا ينقض، وأن رأيه طبق المفصل، فكلاهما يرى نفسه مجتهداً متأولاً، وكلاهما لم يصف صاحبه بالكفر أو الخروج عن القرآن، وكان في دائرة نفوذ الطائفتين، صحابة فضلاء، قعدوا عن القتال، فلم يُنْظر إليهم على أنهم خالفوا فرضاً أو سُنّة وأكثر ما كان يُوجّه النقد إلى الطائفتين المتحاربتين، أما مَنْ قعد عن القتال، فقد يُمدح بقعوده، وكثيراً ما نجد عبارة " فلان اعتزل الطائفتين ولم يشترك في الفتنة " ويُشمُّ منها ترجيح الترجمة على غيرها، ولا سيما تراجم التابعين من أهل الرواية.
(هـ) والأمور الاجتهادية التي ليس فيها نصٌّ قاطع، وتُرك للأمير أن يتخيّر بين أمرين أو أكثر تخيير مصلحة، لا يحكم الأمير فيها بحكم الله، لأنه لا يدري ما حكم الله فيها، وإنما يحكم برأيه واجتهاده.
وقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا حاصرت أهل حصن فسألوك أن تنزل لهم على حكم الله، فلا تنزل لهم على حكم الله، فإنك لا تدري ما حكمُ الله فيهم، ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك ". [منهاج السنة 213/ 2].
5 ـ وإذا كانت حوادث الفتنة لا تؤثر في الدّين، ولسنا مأمورين باتباع أحد الطرفين في هذه القصة، فإننا نكفُّ عن ذكر ما شجر بينهم، ولا نقول مَنْ المصيب من الفرق الثلاثة: عليّ، أو معاوية، أو الذين اعتزلوا، بل نكل أمرهم إلى الله تعالى.
وقد نُقل عن عمر بن عبد العزيز قولُه " تلك دماء ُ طهّر اللّهُ منها يدي، فلا أحبُّ أن أُخضب بها لساني ".
…