كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)
333…
وقال آخر " تلك أٌمةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ".
وقال ابن تيمية في قصة الحديث " تقتلك الفئة الباغية ": وقد صححه أحمد بن حنبل وغيره من الأئمة، وإن كان قد روي عنه أنه ضعّفه، فآخر الأمرين منه أنه صححه، قال يعقوب بن شيبة في مسنده في المكيين في مسند عمار بن ياسر، لما ذكر أخبار عمار: سمعتُ أحمد بن حنبل سئل عن حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم في عمار " تقتلك الفئة الباغية " فقال أحمد: " قتلته الفئة الباغية، كما قال النبيُّ ص .. وكره أن يتكلم في هذا بأكثر من هذا ". [المنهاج 211/ 2].
ومَنْ يدري، مَنْ الفئة الباغية، إلا الله تعالى، ولعلَّ لهذا الغرض قالوا إن البخاري حذف لفظ الحديث من بعض رواياته.
6 ـ كانت الفتنة أيام الجمل وصفين نقمةً، ونعمةً.
أما كونها نقمة: فلأنها شغلت المسلمين عن الفتح ونشر الدعوة مدة خمس سنوات ولأنها أدت إلى وجود هذه الفرق التي شغلت المسلمين قروناً، وأدت إلى حروب كثيرة، كام يمكن أن يستفاد منها في مصلحة المسلمين، وأحدثت هذه الفرق شروخاً وتشرذمات في جسم الأمة، لازلنا نعاني منها.
وأما كونها نعمة: فلأنها:
(أ) أدت إلى عناية العلماء بالحديث النبوي، وتدوينه في وقت مبكر.
(ب) اهتمام علماء الحديث بسند الحديث ومتنه .. فمنذ أواخر القرن الأول، كان الزهريُّ وغيره من التابعين لا يقبلون الحديث إلا مسنداً، وينكرون على مَنْ يقول " قال رسول الله " دون إسناد.
وتنبّه الزهري إلى حركة الوضع والزيادة في الحديث في وقت مبكر، فكان يقول: يشرّق الحديث من عندنا شبراً ويعود إلينا ذراعاً .. يشير إلى وضع الحديث في العراق، حيث كانت مركز الأهواء المتعددة.
…