كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

334…
(جـ) هذه الفتنة، أخرجتْ ما كان مضمراً في نفوس أهل الأهواء، فحذرهم علماء الحديث .. والميل والهوى يولد في النفوس بفتنة وبغير فتنة، ولكن الفتنة تزيده اشتعالاً وتسرّع في التصريح به، وكان مستتراً كامناً.
(د) وجود الفرق الإسلامية أدى إلى وجود حركة علمية نشطة، وإلى شحذ القرائح للتأليف، واستنباط خصائص الإسلام من خلال النصوص القرآنية والحديثية للردّ على المفهومات المخالفة، وإنك واجدٌ عشرات الكتب التي كان الدافع إلى تأليفها هو الردُّ، والتنفيذ، والمناظرة، والتعديل، والتجريح .. الخ ومن أمثلة ذلك كتب الجرح والتعديل، وكتب تراجم رواة الحديث النبوي، التي كان الباعث الأول لها، اشتغال عشرات الرجال بالرواية، وهم مهتمون بالكذب والوضع .. ولعل كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، لم يكن أكثرها، لولا تصديه للمؤلفين الذين رأى في كتاباتهم افتراءً على الإسلام، ومن ذلك كتابه " منهاج السنة " الذي يُعَدُّ من أحسن الكتب في مناقشة أخبار الفتن التي دارت في القرن الأول.
ومن ذلك كتاب " العواصم من القواصم " لابن العربي، الذي وقفه على تنفيد ما رواه المؤرخون من أخبار الفتنة.
(هـ) ووجود المذاهب السياسية، أدى إلى حركة أدبية نشطة، أنشأت شعراً متعدد الاتجاهات والأذواق: فكان عندنا شعر الخوارج، الذي يمثل شعر القوة والثبات في ساحات الحرب.
ولولا المذهب الفقهي الذي يدين به الخوارج، لوصلْنا شعرهم بشعر الجهاد الذي كان يردده الفاتحون في معارك الفتح .. مع أن المذهب الفقهي لا يكاد يظهر إلا نادراً في أشعارهم.
ووجود أيضاً شعراء الشيعة الذين تميّز شعرهم بصدق العاطفة والولاء وكان فيه فنُّ المدح الخالي من المطامع الماديّة، لأن أماديحهم لو تكن أكثرهم لمعيّن وإنما يخصون مدحهم بآل هاشم، في وقت لم يكن لآل هاشم مركز سياسي أو مالي، ومن الشعر الشيعي، شعر الجدل السياسي الذي لا تحسُّ فيه ببرودة الدليل العقلي الذي يكون في النثر.
ولولا ما شابه من الغلوّ والسبّ واللعن لَعُدَّ من أصدق الشعر عاطفةً.

الصفحة 334