كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

339…
هذه الآية، وإنما عرفنا ذلك من الحديث النبويّ ... وأقول أيضاً: إذا كان المراد بالمسجد الذي اُسس على التقوى، هو المسجد النبوي، فذلك لأن المسجد النبوي كان هو مسجد الجماعة الكبرى وهو الذي يؤمُّه أكثر المسلمين، وفيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إمام الأمة فهو إذنْ يمثّل الأمّة المسلمة التي تقابلها الأمّة الكافرة المنافقة.
ولهذا، فقد يكون هو المراد في الآية، والله أعلم.
وإذا كان المراد هو مسجد قُباء، فلأنه كان مجاوراً مسجد الضرار الذي أسسه المنافقون، فقد يكون المراد، لهذا المعنى.
وكون مسجد قباء بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بُني له أول وصوله إلى قباء، ثابتٌ في الأحاديث الصحيحة، لما روى البخاري في حديث الهجرة " فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وأسس المسجدُ الذي أُسس على التقوى، وصلى فيه رسول الله، ثم ركب راحلته فسار يمشي معه الناس .. الحديث ".
وكون مسجد قُباء الذي بناه النبيُّ صلى الله عليه وسلم هو في هذا الواقع الذي يقع عليه اليوم، ثابت بالتواتر، ولا يختلف فيه اثنان.
فهو ليس كغيره من المساجد التي صلى فيها النبيّ ص، فرضاً أو يوماً ثم رحل عنه كالذي يكون في طريق غزوة، أو يكون عند زيارة قوم.
ولكنه مسجد صلى فيه النبيُّ أياماً تزيد على العشرة في أول بنائه، وبقي يزوره ويصلي فيه مدَّة حياته المدنّية.
لما روى البخاري في الصحيح عن عبد الله بن عمر قال " كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يأتي مسجد قُباء كل سبت ماشياً أو راكباً، وكان عبد الله بن عمر يفعله ".
وروى البخاريُّ أن عبد الله بن عمر كان يأتي مسجد قُباء، كل سبت، فإذا دخل المسجد كره أن يخرج منه حتى يصلي فيه. [ك 20، باب 3،2].
وتوفي عبد الله بن عمر سنة 73 هـ والمعروف عنه أنه كان يتتبع الآثار…

الصفحة 339