كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

344…
فهو مُعارض بما رواه البخاري، والحاكم.
أما البخاري، فقد روى في مناقب عثمان، عن ابن عمر، يعتذر عن تغيّب عثمان بن عفان عن غزوة بدر قال: "وأمّا تغيّبه عن بدرٍ، فإنه كانت تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مريضة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لك أجر رجلٍ ممن شهد بدراً وسهمه".
وتتمة الخبر رواها الحاكم في المستدرك قال: "خلّف النبيُّ صلى الله عليه وسلم عثمان وأسامة بن زيد على رقيّة في مرضها لما خرج إلى بدر، فماتت رقيّة حين وصل زيد بن حارثة بالبشارة".
وروى ابن حجر في الإصابة "ترجمة رقيّة" خبر الحاكم عن أكثر من واحدٍ من الرواة.
وتأخذ مما رواه الحاكم وغيره: أنَّ رقيّة، ماتت قبل عثمان بن مظعون، لأن دفنها كان قبل وصول المسلمين المنتصرين إلى المدينة.
أما موت عثمان، فكان بعد العودة من بدر.
لم يذكر خبر الحاكم أين دفنتْ رقيّة، وقد تكون دفنتْ في جزء هذا البقيع لم يكن فيه غرقد، ودفن عثمان في مكان فيه غرقد، ثم أطلق الجزء على عموم المكان.
وربما دفنتْ في مكان اتخذه الأنصار مقبرة بعد إسلامهم ثم اتخذ المسلمون البقيع مقبرة عامّة.
فليس في الأخبار ما يدلُّ على أن البقيع كان مقبرةً لأهل المدينة قبل الهجرة.
ومن المتفق عليه، أنَّ البقيع هي المقبرة الوحيدة في المدينة منذ العصر النبويّ إلى يومنا هذا.
وهي تتسعُ لكل مَنْ يأتي أجلُه في المدينة، لأن القبور لا تثبت على مرّ السنين.
وقد دُفن فيها آلاف من الصحابة والتابعين ممن توفوا في المدينة وضواحيها، فسعدُ بن أبي وقاص توفي في "قلهيّ" بعيداً عن المدينة.
وأبو هربرة توفي في ذي الحليفة (آبار علي) والمقداد بن الأسود توفي في الجرف، طرف المدينة الشمالي .. وحُمل جميعهم على الأعناق ودفنوا في البقيع.
وقد عيّن بعض الناس قبور بعض الصحابة في البقيع، وليس عند أحد…

الصفحة 344