كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)
345…
دليل على صحة ما عينوه فقد يكون صحيحاً، وقد يكون من فِعْل المزوّرين (الأولاّء) الذي يخترعون القصص أحياناً لحث الزائرين على زيادة العطاء، والله أعلم.
ومهما كان الأمر، فإنَّ مَنْ عينوا قبورهم، مدفونون في البقيع حقّاً، ولكن المختلف فيه، تعيين بقعة القبر.
وبمناسبة "بقيع الغرقد" يرد على الذهن الحديث النبوي: الذي رواه أحمد في [المسند 417/ 2]، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لاتقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهود وراء الحجر والشجرة، فيقول الحجر والشجر، يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهوديّ خلفي، فتعال فاقتله إلاّ الغرقد فإنه من شجر اليهود".
وأصل الحديث في صحيح البخاري كتاب 61 ـ باب علامات النبوة عند ابن عمر ولكن بدون زيادة (حتى يختبئ .. الخ).
وهناك روايات تحدد مكان الاقتتال عند المدينة النبوية، لما في رواية أحمد "ينزل الدجال هذه السبخة ـ أي خارج المدينة ... " الحديث.
وفي رواية أن ذلك يكون في فلسطين، لما جاء في رواية عند ابن ماجه "وراء الدجال سبعون ألف يهوديّ .. فيدركه عيسى عند باب (لُدّ) فيقتله وينهزم اليهود .. " وذكر بقية الحديث، واختباء اليهود وراء الحجر والشجر ومناداة الشجر إلا الغرقد .. [عن الفتح 610/ 6].
وقد ذكرت القصة لمناسبة شجر (الغرقد) وهو ينبت في فلسطين أيضاً ونعرفه في خان يونس باسم "العوسج" وهو شجر شوكي يمكن أن يستر مَنْ وراءَه، وقد يستخدم سياجاً حول المزارع.
وعلمتُ أن اليهود يقدّسون هذا الشجر. ولا أدري، أهو مذكور في كتبهم، أم قرأوا الأحاديث النبويّة، فصدقوا بنبوءة نبينا محمد ص، وليس ذلك غريباً عليهم، لأن الله أخبر عنهم أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض.
…