كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

35…الديوان: أهي إشارة جماعية أم إشارة فردية .. وتقول رواية ابن الجوزي: إن أبا هريرة قال: "قدمتُ على عمر بن الخطاب من عند أبي موسى الأشعري بثمانمائة ألف درهم، فقال لي: بماذا قدمت، قُلتُ: قدمتُ بثمانمائة ألف درهم قال: إنما قدمت بثمانين ألف درهم قلتُ: قدمتُ بثمانمائة ألف درهم، قال عمر: ألم أقل إنك يمان أحمق إنما قدمت بثمانين ألف درهم، فكم ثمانمائة ألف درهم؟ قال أبو هريرة: فعددت مئة ألف، ومئة ألف حتى عددتُ ثمان مئة ألف ..... فلما صلى الصبح، اجتمع إليه نفر من أصحاب رسول الله فقال لهم: إنه قد جاء الناس الليلة مالم يأتهم منذ كان الإسلام، وقد رأيتُ رأياً، فأشيروا عليَّ أنْ أكيل للناس بالمكيال .. فقالوا: لا تفعل يا أمير المؤمنين، إنَّ الناس يدخلون في الإسلام ويكثر المال، ولكن أعطهم على كتاب، فكلما كثر الإسلام وكثر المالُ أعطيتهم، قال: فأشيروا عليَّ بمن أبدأ .. ".
وفي رواية عند ابن سعد " أن عليَّ بن أبي طالب أشار بأن يُقْسَمَ كلَّ سنةٍ ما اجتمع من مال ٍ ولا يُمسَك منه شيء.
وقال عثمان: أرى مالا ً كثيرا ً يسعُ الناس، وإن لم يُحْصوْا حتى تعرف منْ أخذ ممن لم يأخذ خشيت أن ينتشر الأمر.
فقال الوليد بن هشام بن المغيرة: يا أمير المؤمنين قد جئتُ الشأم فرأيتُ ملوكها قد دوّنوا ديواناً وجنّدوا جنوداً، فدوّنْ ديواناً وجنّدْ جنوداً، فأخذ بقوله.
فدعا عمرُ عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل، وجبير بن مطعم وكانوا من نُسّاب قريش، فقال: اكتبوا الناس على منازلهم ".
ومع أنَّ المسلمين الذين وهبوا حياتهم للدعوة والجهاد، لم يكونوا يرجون إلا ثواب الله، ولم يخطر ببالهم أن يعيشوا حتى يروا مغانم الفتح، إلا أنَّ عمر رتّب الديوان على الأسبقية والجهاد، والقربى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعلَّ في ذلك دعوةً إلى التسابق في عمل الخيرات والجهاد والبذل في سبيل الإسلام، لينال كلُّ إنسان قَدْر سَعْيه ... …

الصفحة 35