كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

38…والدليل على وجود دار الدقيق قبل عام الرمادة، أن عمر كان يُطْعمُ الأعراب .. الوافدين على المدينة من مخزن الدار، قبل أن يأتي المدد من مصر والشام والعراق.
ولكنها في عام الرمادة، توسعت، لتقدر على إطعام عشرات الألوف الذين وفدوا على المدينة مدة تسعة أشهر، قبل أن يحيا الناسُ بالمطر ... وقد أدّى وجود الديوان إلى وجود " بيت المال " الذي يختزن فيه ما فاض عن أعطيات الناس (الرواتب) وما زاد بَعُد الإنفاق على شؤون الجهاد، والمنافع العامة ... روى الإمام مالك في الموصأ ـ باب الجهاد ـ أن عمر بن الخطاب كان يحمل في العام الواحد على أربعين ألف بعير.
وروى ابن سعد في [الطبقات 306/ 3].عن السائب بن يزيد: قال: رأيتُ عمر بن الخطاب السَّنة، يُصلحُ أداة الإبل التي يحمل عليها في سبيل الله، براذعها وأقتابها، فإذا حمل الرجل على البعير، جعل معه أداته.
فائدة: حول الديوان: أقول: إن سجلات الديوان الذي أمر عُمَرُ بوضعه تُعدُّ أول إحصاء اجتماعي دقيق، لأنَّ فيه تفصيلاُ لأحوال المجتمع رجاله ونسائه، ذكر الذين هاجروا قبل الفتح والذين هاجروا بعد الفتح وأسماء مَنْ شهدوا غزوة بدر وأسماء مَنْ شهدوا غزوة أحد، وذكر نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم وبني هاشم، الأقرب فالأقرب من رسول الله، وذكر أطفال المسلمين ومواليهم، واللقطاء والفقراء والموالي، وذكر قبائل العرب، وعدة كل قبيلة .. ولا بدَّ أن ذلك كان مذكوراً بالتفصيل، لأن العطاء كان يُعطى للأفراد، ويحسب ديوان كل قبيلة بعدد أفرادها .. روى ابن سعد عن حزام بن هاشم الكعبي عن أبيه قال: رأيتُ عمر بن الخطاب يحمل ديوان خُزاعة حتى ينزل قُديداً، فتأتيه بقُديد، فلا يغيب عنه امرأة بكر ولا ثيّب، فيعطيهنَّ في أيديهنَّ، ثم يروح فينزل عُسْفان فيفعل مثل ذلك أيضاً حتى توفي [298/ 3].

الصفحة 38