كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

39 …
6 - الحثُّ على الكسب الذاتي، وإعمار الأرض الموات: .. وأريد بالكسب الذاتي: الكسب من عمل اليد، أو الإشراف المباشر على العمل، مع الاستعانة بالأجير.
ويشمل ذلك التجارة والصناعة (المهنة) والزراعة.
والتجارة في القديم تكاد تشمل المهن اليدوية، لأن البخاري بوّب في كتاب "البيوع" للحداد، وانسّاج والنجار، مع أن التاجر، يبيع ما ينتجه أو يصنعه غيره، والحدّاد يبيع ما يصنعه، وقد يبيع مهارته في الصنعة، ويجمع الاثنين أنهما خصصا وقتهما لمنفعة الناس، فيأخذ ثمن هذه المنفعة. والله أعلم.
ويحتل باب " المعاملات " ـ التجارة، والصناعة والزراعة، وتوابعها ـ مكانة مرموقة في الأحكام الشرعية.
ولعلّ البخاري، رحمه الله، كان أكثر وعياً وفهما ً لمكانته لأنه جعله بعد أبواب العبادات، وملاصقاً لها، وجعله في المرتبة الرابعة في ترتيب أوليات المسلم، حيث بدأ بكتاب "بدء الوحي" لأنه أصل التشريع، ثم كتاب "الإيمان" الذي لا يكون الإسلام إلا به، أي الإيمان بالوحي، ثم كتاب "العلم" وبوّب فيه "العلم قبل القول والعمل".
ثم توالت الكتب الخاصة بالعبادات (الصلاة، والزكاة، والصوم).
ثم كتاب البيوع، وتتلوه كتب المعاملات التي تتعلق بالعمل كالسَّلم، والشفعة، والإجارة .. والحرث والزراعة، .. والشركة، والرهن.
ومع أهمية الجهاد في الإسلام، فإنه جاء بعد أبواب المعاملات.
أما الإمام مسلم، فإنه قدّم عليه كتاب "النكاح " وما يتبعه .. وجاء كتاب "الجهاد" بعد أبواب المعاملات. وكذلك فعل الترمذي في سننه.
وقد ذكر اللَّهُ تعالى طلب الرزق بعد الصلاة فقال: (فإذا قضيت الصلاةُ فانتشروا في الأرض، وابتغوا من فضل الله) [سورة الجمعة].
وأباح العمل في الحج فقال: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) [سورة الحج: الآية 28].
قال ابن عباس: هي منافع الدنيا والآخرة، أما منافع الآخرة فرضوان الله تعالى، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البدن والذبائح والتجارات. [ابن كثير ـ تفسير سورة الحج].

الصفحة 39