كتاب المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي (اسم الجزء: 2)

41…قال: فرأيت أبا نمر، يضرب الموالي عن سكة أسلم، يخرجهم من السوق ـ سوق ا لمدينة " .. وكان السائب عامل عُمَر على سوق المدينة ... وروى ابن شبة عن عدي بن عميرة (صحابي) قال: "كُنَّا جلوساً في المسجد فقام عمر بن الخطاب، فقلنا: أين تنطلق يا أمير المؤمنين قال: أنطلق إلى السوق أنظرُ إليها، فأخذ درّته فانطلق، وقعدنا ننتظره، فلما رجع قلنا: كيف رأيت يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت العبيد والموالي، جُلَّ أهلها وما بها العربُ إلا قليلاً، وكأنه ساءَه ذلك، فقلنا: يا أمير المؤمنين، قد أغنانا اللَّهُ عنها بالفيء، ونكره أن نركب الدناءَة، وتكفينا موالينا وغلماننا، قال: والله لئن تركتموهم وإياها، ليحتاجنَّ رجالكم إلى رجالهم ونساؤكم إلى نسائهم " [تاريخ المدينة ص 748] ... وقد صدق ظنُّ عمر بن الخطاب، فعندما بدأ جيلُ التابعين في النصف الثاني من القرن الأول، تبدّل العُسْرُ، باليسر، وصار عامة الناس إلى فقر حيث انقطع العطاءُ السنوي، ونشأ جيل من الناس، لا قدرة لهم على العمل، وأخذ أهلُ المدينة ـ من العرب ـ يتناقصون، وتزايد عدد الموالي والعبيد والمنقطعون إلى المجاورة، ويَرْضَوْن بالقليل من الزاد، ينالونه على سبيل الصدقة .. وانحسر العرب إلى البادية، وعندما جاءَ القرن الثالثُ أصبح العربُ، أو الأعرابُ غُرباءَ عن سكان المدينة، واحتاجوا إلى ما بأيدي أهل المدينة، بل سكان حاضرة المدينة، من القوت، وبدأ الصراع بين البادية والحاضرة، وكان أول سور حول المدينة خوفاً من أهل البادية.
وأرخوا أول سور حول المدينة حوالي سنة 360 هـ في عهد عضد الدولة بن بويه في خلافة الطائع لله، ثم جُدد سنة 450 هـ وبني السور الثالث سنة 558 هـ. نقل السمهودي، أن من أعظم أعمال جمال الدين الجواد، وزير الموصل، أنه بنى سوراً على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنها كانت بغير سور ينهبها الأعرابُ، وكان أهلها في ضنك وضُرّ معهم.
وقال ابن الأثير: رأيتُ بالمدينة إنساناً يصلي الجمعة، فلما فرغ ترحمّ على…

الصفحة 41